إذا كان الرئيس جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس بحاجة إلى أي تذكير بأن بنيامين نتنياهو ليس صديقهم، ولا صديق أميركا، ولا صديق الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، فإن قتل «حماس» لستة أرواح إسرائيلية بينما كان نتنياهو يماطل في المفاوضات يفترض أن يوضح ذلك. فنتنياهو لديه مصلحة واحدة ألا وهي البقاء السياسي، حتى وإن كان ذلك يقوّض بقاء إسرائيل على المدى الطويل.
سيدتي نائبة الرئيس، كوني على يقين بأن هذا سيجعله يقوم خلال الشهرين المقبلين بأشياء يمكن أن تضر بفرصك في الانتخابات بشكل خطير وتعزز فرص دونالد ترامب. ولهذا يجدر بك أن تشعري بالخوف.
وفي الأثناء، أرجوك، سيدي الرئيس، قل لي إن نتنياهو لم يخدعك. فقد أجريتَ معه عدة مكالمات، وكانت تتلو كل واحدة منها تنبؤاتك المتفائلة بشأن وقفٍ وشيك لإطلاق النار في غزة – في حين كان هو يقول لأنصاره شيئاً آخر.
ففي مكالماته الهاتفية، كان نتنياهو يقول لزعماء أميركا باللغة الإنجليزية إنه مهتم بوقف إطلاق النار وصفقة رهائن، وإنه يفكر في المقدمات الضرورية لما أسميه «عقيدة بايدن». ولكن بمجرد أن ينهي المكالمة، كان يقول لقاعدته باللغة العبرية أشياء تتعارض مع «عقيدة بايدن» بشكل صريح لأنها تهدد «عقيدة نتنياهو».
كان بايدن يقول لنتنياهو إن إسرائيل تستطيع في خطوة واحدة أن تجد شركاء عرب من أجل مسار آمن للخروج من غزة وإيجاد حلفاء عرب للتحالف الإقليمي الذي تحتاجه لمواجهة التحالف الإقليمي الإيراني المكون من «حماس» و«حزب الله» و«الحوثيين» والميليشيات العراقية. وكانت فكرة بايدن هي أنه يجب أن يُنظر إلى أمن إسرائيل اليوم في سياق أوسع بكثير من مجرد مسألة من سيتولى القيام بدوريات على حدود غزة.
ولكن عقيدة بايدن اصطدمت مباشرةً بعقيدة نتنياهو، التي تتمحور حول فعل كل ما هو ممكن لتجنب أي عملية سياسية مع الفلسطينيين قد تتطلب تنازلات إقليمية في الضفة الغربية من شأنها أن تكسر تحالف نتنياهو السياسي مع اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ولهذا الغرض، حرص نتنياهو لسنوات على إبقاء الفلسطينيين منقسمين وغير قادرين على اتخاذ موقف موحد، ثم أصبحت عقيدة بقاء نتنياهو أكثر أهمية بعد توجيه الاتهام إليه في 2019 بتهم متعددة. والآن عليه أن يبقى في السلطة ليبقى خارج السجن، في حال إدانته.
ولذلك، فحينما فاز نتنياهو بإعادة الانتخاب بهامش ضئيل جداً في 2022، فإنه كان مستعداً للتحالف مع أسوأ الأسوأ في السياسة الإسرائيلية من أجل تشكيل ائتلاف حاكم يبقيه في السلطة. أتحدثُ هنا عن مجموعة ممن وصفهم رئيسٌ سابق للموساد الإسرائيلي بأنهم «عنصريون فظيعون» و«أسوأ بكثير» من جماعة الـ«كو كلاكس كلان» الأميركية العنصرية.
هؤلاء المتعصبون اليهود وافقوا على السماح لنتنياهو بأن يكون رئيساً للوزراء طالما أبقى على السيطرة العسكرية الإسرائيلية الدائمة على الضفة الغربية، وعلى غزة أيضاً بعد 7 أكتوبر. 
وقد فهم نتنياهو الرسالة. فأعلن أنه سينهي الحرب في غزة بعد أن تحقق إسرائيل «النصر الكامل»، ولكنه لم يحدد بالضبط ما الذي يعنيه بذلك ومن سيحكم غزة بعد ذلك. وبتحديده هذا الهدف غير القابل للتحقيق في غزة -- فالجيش الإسرائيلي يحتل الضفة الغربية منذ 57 عاماً، ولم يحقق «النصر الكامل» على مقاتلي «حماس» هناك، كما تُظهر الاشتباكات اليومية - خطط نتنياهو لوضع يكون فيه وحده القادر على تحديد متى تنتهي الحرب في غزة.
وهو ما سيحدث حينما يتوافق ذلك مع احتياجات بقائه السياسي. وذاك بكل تأكيد ليس اليوم. 
نتنياهو يدرك جيداً أنه وضع هاريس في مأزق لأنه إذا استمر في الحرب في غزة حتى «النصر الكامل»، وسقط مزيدٌ من الضحايا المدنيين، فإنه سيجبر هاريس إما على انتقاده علناً فتخسر أصوات اليهود، أو أن تلوذ بالصمت فتخسر أصوات الأميركيين العرب والمسلمين في ولاية ميشيجن المهمة. ولأن هاريس ستجد صعوبة على الأرجح في القيام بأي من الأمرين، فإن هذا سيجعلها تبدو ضعيفة أمام اليهود الأميركيين والعرب الأميركيين معاً.
واستناداً إلى عملي الصحافي وطوال سنوات مراقبتي لنتنياهو، فإنني لن أتفاجأ إذا عمل نتنياهو على تصعيد الحرب في غزة من الآن وحتى يوم الاقتراع ليصعّب مهمة «الديمقراطيين». 
وقد يفعل نتنياهو ذلك لأنه، في اعتقادي، يرغب في فوز ترامب ويريد أن يكون قادراً على أن يقول لترامب إنه ساعده على الفوز، كما أن نتنياهو يدرك أن الكثيرين في الجيل الصاعد من «الديمقراطيين» معادون لإسرائيل -- أو على الأقل لإسرائيل التي يخلقها.
وفي حال فوز ترامب، فإنني لن أشعر بالصدمة إذا أعلن نتنياهو أن «انتصاره الكامل» في غزة قد تحقق، ووافق على وقف إطلاق النار لاستعادة أي رهائن ما زالوا على قيد الحياة، وغمغم بضع كلمات عن إقامة دولة فلسطينية في المستقبل البعيد، وقال لشركائه اليمينيين المتطرفين أن يغربوا عن وجهه لأنه سيترشح لإعادة الانتخاب بدونهم. أما برنامجه الانتخابي المحتمل، فهو: لقد حققتُ انتصاراً كاملاً في غزة.
وهكذا، يفوز نتنياهو. ويفوز ترامب. وتخسر إسرائيل. وستظل غزة تغلي بالطبع. وستظل القوات الإسرائيلية تحتلها. وستصبح إسرائيل دولة منبوذة أكثر من أي وقت مضى، وسيغادرها المزيد من الإسرائيليين الموهوبين من أجل العمل في الخارج، ولكن نتنياهو سيحصل على ولاية أخرى -- وهذا هو المهم في الأمر. أما إذا فازت هاريس، فإن نتنياهو يعرف أن ما عليه سوى إعطاء الإشارة للوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن -- آيباك – و«الجمهوريين» في الكونغرس لكي يهبّوا لحمايته من أي رد فعل سلبي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»