حاول رئيسُ الوزراء الهندي ناريندرا مودي القيام بكل الخطوات الصحيحة أثناء زيارته لأوكرانيا. ولكن مع ذلك، فإن موقف الهند من الحرب في أوكرانيا لم يتغير، والعلاقة مع روسيا ما زالت قوية كما كانت دائماً. وقد أكدت زيارته إلى كييف هذا الأسبوع على لعبة التوازن الذي تقوم بها الهند بين روسيا والولايات المتحدة، رغم عرض المساعدة في جهود السلام الذي قدمته.
عقب زيارة أوكرانيا مباشرة، تحدث الرئيسُ جو بايدن وناريندرا مودي مع بعضهما بعضاً هاتفياً، حيث أطلع مودي الرئيسَ بايدن على نتيجة زيارته لأوكرانيا «معيداً التأكيد على موقف الهند الثابت المؤيد للحوار والدبلوماسية ومعرباً عن دعمه الكامل لعودة السلام والاستقرار في وقت مبكر». وبعد هذه المكالمة، ناقش «مودي» نتيجة زيارته لأوكرانيا أيضاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في هذا الاتصال، تبادل الزعيمان وجهات النظر حول النزاع الروسي الأوكراني، حيث شارك مودي بوتين رؤيته في ظل زيارته الأخيرة إلى كييف. وقال مودي في تدوينة على موقع «إكس» إنه أعاد التأكيد على التزام الهند الراسخ بدعم التوصل إلى حل مبكر وملزم وسلمي للنزاع.
وتُعد الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى أوكرانيا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1992. وقد سبقتها أولُ زيارة لرئيس وزراء هندي إلى بولندا منذ 45 عاماً. وجاءت الزيارة إلى كييف بعد 3 أسابيع من زيارة مماثلة قام بها مودي لموسكو وعانق خلالها الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين عناقاً حاراً، مما أثار انتقادات من أوكرانيا والغرب. وترتبط الهند وروسيا بعلاقات دفاعية وثيقة ما زالت مهمة لأمن الهند الدفاعي على الرغم من الاستدارة التي قامت بها نيودلهي نحو الولايات المتحدة. ذلك أن أكثر من 60 في المئة من الأسلحة الهندية من صنع روسي، ونتيجة لذلك، ما زالت الهند بحاجة إلى قطع الغيار الروسية، فضلاً عن أسلحة أخرى يتم تصنيعها بالتعاون مع روسيا مثل صواريخ براهموس. ولهذا، ترفض الهند التنديد بروسيا بشكل مباشر رغم الضغوط الغربية، وبدلاً من ذلك، تشتري منها النفط بأسعار مخفضة.
وعقب الحرب الأوكرانية، حينما أصبحت روسيا مضطرة للبحث عن وجهات بديلة لبيع النفط والمنتجات الأخرى، أصبحت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في بؤرة الاهتمام المتبادل. وكانت الجهود السابقة لتعزيز التجارة البينية لم تجد زخماً كبيراً بسبب ضعف التواصل بين البلدين. ووفقاً لأرقام الحكومة الهندية، فإن التجارة بين الهند وروسيا ارتفعت إلى ما يناهز 65 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024، إذ بلغت الواردات من روسيا 60 مليار دولار، بينما وصلت الصادرات من الهند إلى 4 مليارات دولار.
وضمن خريطة طريق اقتصادية تمتد حتى عام 2030، اتفق الجانبان على زيادة التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار، وتقليل الحواجز غير الجمركية، وتعزيز الزراعة، بما في ذلك تجارة المواد الغذائية، وتقليص الاختلال في الميزان التجاري لصالح روسيا. وتُعد العلاقات مع الهند مهمة أيضاً بالنسبة لروسيا بالنظر إلى أنها تواجه عقوبات غربية، ولأن هناك عدداً قليلاً من الدول التي يمكن لموسكو أن تسمّيها أصدقاء. وقد ذهب زيلينسكي إلى درجة أن وصف زيارة مودي إلى موسكو بأنها «خيبة أمل كبرى وضربة مدمرة لجهود السلام». ومما وسم زيارةَ موسكو أيضاً هجومٌ صاروخي على مستشفى للأطفال في كييف. ولذلك، فإن الهدف من الزيارة إلى أوكرانيا كان هو تغيير الصورة الذهنية عن الهند بعد أن بسط الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين السجاد الأحمر لمودي.
في أوكرانيا، عانق زيلينسكي ومودي بعضهما بعضاً، وعقدا محادثات، وزارا معاً معرضاً متعدد الوسائط في متحف أوكرانيا الوطني لتخليد ذكرى أطفال أوكرانيا الذين قضوا خلال الحرب. كما اكتست الزيارة أهميةً بالنسبة لزيلينسكي رغم أنه غيّر استراتيجية الحرب وحرّك القوات الأوكرانية إلى الشرق وداخل الأراضي الروسية في كورسك. ومن جهة أخرى، قالت روسيا إنها حققت مكاسب في إقليم دونيتسك في شرق أوكرانيا.
ويحرص زيلينسكي على توسيع الدعم في آسيا والجنوب العالمي، حيث اتخذت العديد من الدول موقفاً محايداً مثل الهند. ولهذا، سعى إلى دفع الهند إلى تغيير موقفها المحايد. 
غير أنه مما لا شك فيه أن زيارة أوكرانيا رفعت من مكانة الهند. ذلك أن زيارة مودي هي الرابعة فقط التي يقوم بها زعيم آسيوي إلى أوكرانيا. ففي 2022، أصبح الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو أولَ زعيم آسيوي يزور أوكرانيا في زيارة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة. أعقبتها زيارةٌ مماثلة لرئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا الذي وصل إلى كييف على متن القطار في أوائل 2023. كما زار الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول أوكرانيا في منتصف يوليو 2023.
زيارة ناريندرا مودي لأوكرانيا مثّلت بداية الانخراط الدبلوماسي الهندي في أوروبا الوسطى. ففي بولندا، رفعت نيودلهي ووارسو مستوى العلاقات الثنائية بينهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية» واتفقتا على عقد حوار سياسي سنوي على مستوى نواب وزراء الخارجية. كما اتفقتا على تعزيز التعاون الأمني والدفاعي. وبالمثل، وقّع الجانبان في أوكرانيا 4 اتفاقيات للتعاون في مجالات الزراعة والطب والثقافة والمساعدات الإنسانية. وبينما تسعى الهند إلى تعزيز مكانتها العالمية، فمما لا شك فيه أنها ستحتاج إلى لعب دور أكثر نشاطاً في القضايا العالمية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي