هذا العنوان ليس لي، بل هو عنوان مقالٍ مشتركٍ في عدد دورية «فررين أفيرز» الأميركية الأخير. الواقع أن عشرات العناوين لمقالاتٍ وكتبٍ أنذرت من هذا المصير منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وقد ارتبط ذلك في الأذهان بحضور مئات الآلاف من الجنود إلى العراق بحجة مكافحة النووي ونشر الديمقراطية! وقد أفضى ذلك إلى تخريب البلاد وتسليمها لأنصار قوة إقليمية، وقتل وتهجير الملايين. ومنذ العام 2007 بدأ الأميركيون يفاوضون على الخروج، وخرجوا بالتدريج بعد اتفاقيات بين عامي 2010 و2012. لكنهم عادوا بسبب استيلاء «داعش» عام 2014 على مناطق شاسعة في سوريا والعراق، ومنذ ثلاث سنوات تصر التنظيمات المسلحة بالداخل العراقي على إخراجهم من البلاد من جديد مع أنه لم يبق من قواتهم غير عدة آلاف. تقترن الكتابات عن خسارة الشرق الأوسط هذه المرة بأمرين اثنين: الفشل في وقف الحرب على غزة رغم الإصرار العلني على ذلك – والاندفاعة العسكرية الأميركية الجديدة باتجاه منطقة الشرق الأوسط وبحارها من البحر الأحمر والمحيط وإلى البحر المتوسط. فقبل ثمانية أشهر نشروا قوات بحرية ضخمة مع البريطانيين ودول الاتحاد الأوروبي ليؤمنوا الملاحة التجارية الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب من هجمات «الحوثيين». وقبل عدة أسابيع أرسلوا قوات بحرية ضخمة وحاملات طائرات وغواصات إلى البحر المتوسط، للدفاع عن إسرائيل إذا هاجمتها إيران. ومنذ ذلك الحين يهدد الإيرانيون بالضرب، ويرسل الأميركيون المبعوثين إلى كل مكان ليحولوا دون نشوب حرب شاملة! مع صدور مقالة الخسارة، كان العسكريون الأميركيون المتحشدون أنفسهم يتساءلون عن أسباب التحشد الذي أصدرت قراره القيادة السياسية. وصحيح أن الحرب الشاملة لم تنشب، لكنها مستمرة في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وأماكن في سوريا تتعرض للهجمات. ثم إنّ هجمات «الحوثيين» ما أمكن إخمادها ولا أمكن لهم التأثير على الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين لجهة وقف الحرب والتحرشات.
وقبل يومين يقول الأميركيون إنهم قاموا بعملية كبرى ضد «داعش» بالاشتراك مع الجيش العراقي في الأنبار! يقول الأميركيون إنهم لا يريدون أن يكونوا «شرطي» العالم أو الشرق الأوسط. لكنهم تواجدوا بعشرات الألوف في المنطقة منذ العام 2003 فازدادت الحروب ولم تقلّ، وانتشر البؤس والتهجير والاضطراب في كل الأماكن التي يتواجدون فيها أو يزحفون نحوها، فلماذا يكون على شعوب المنطقة وحكوماتها أن تحسّ بالودّ نحوهم؟ منذ الحرب الباردة ما عاد أحدٌ في المنطقة يعتبر الأميركيين محررين. وهناك كثيرون ينتقدون سياساتهم ويرونها «استعماراً جديداً».
قال لي المستشرق الراحل برنارد لويس وهو أميركي من أصل بريطاني عام 2008: الأميركيون لا يحسنون الاستعمار وما عادوا يحسنون التحرير، ويشكون كل الوقت من الأعباء الباهظة التي تقع على عاتقهم، فهم قوة عسكرية هائلة، وقوة اقتصادية كبرى، لكنهم يعانون من فشل استراتيجي ذريع!
*أستاذ الدراسات الإسلامية- جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.