بإلقاء نظرة على تفاصيل حملة دونالد ترامب الانتخابية يتكوّن لدينا حس بوجود استمرارية في منهج «الجمهوريين» تجاه العالم العربي، وبأنه لن يتواجد تغيير ملحوظ يشذ عن ما هو موجود أو متصور. في العالم العربي لا يوجد نظام جغرافيا سياسية (جيوبوليتكس) ترغب الولايات المتحدة الاحتفاظ به، أو منظومة مصالح اقتصادية واسعة خارج قطاع الطاقة الإحفورية (النفط والغاز) تجعل منها تتمسك بشدة بوجودها في المنطقة
وحتى الآن لا توجد دولة عربية يمكن أن تصنف ضمن الخمسة عشر شريكاً تجارياً رئيساً للولايات المتحدة. ويعد غلو «الجمهوريين» تجاه العالم العربي الأكثر ملاحظة في هذا الجانب. لقد كان غزو العراق في عهد جورج دبليو بوش (بوش الابن) أمراً كارثياً على مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي. وفي مقابل ذلك يتم انتقاد سياسات «الديمقراطيين» بصور معاكسة، فـ«الديمقراطيون» دائماً ما يقودون تراجعاً في سياسات بلادهم تجاه العالم العربي يؤدي إلى تقوية دول الجوار وإلى زيادة التواجد الروسي وإضعاف أمن الحلفاء العرب، وتزايد مظاهر الفوضى في عدد من الدول العربية. يلاحظ بأن «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» يتشاركون في عدد من قضايا السياسة الخارجية تجاه العالم العربي، فكلا الحزبين مترددان في إدخال البلاد مباشرة في حروب الدول العربية الداخلية، ومصران على إنهاء الشعارات المتعلقة ببناء الأمم Nations Building وتغيير النظم الحاكمة، وتؤيدهما في ذلك عامة الشعب تطالب بعودة البلاد إلى سياسات العزلة القديمة والابتعاد عن شؤون العالم الخارجي. لكن الحزبين يختلفان عن بعضهما في الخطابة والأسلوب والمزاج.
وينعكس هذا بدوره على السياسيين من كلا الحزبين، فمن خلال الحملة الانتخابية الحالية يقوم كل من المرشح «الجمهوري» دونالد ترامب، والمرشحة عن الحزب «الديمقراطي» كامالا هاريس بتعريف مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي بوسائل أكثر ضيقاً ومحدودية من رؤساء سابقين كجورج بوش الأب وجورج بوش الابن وبل كلينتون. ويعبر كل من ترامب وهاريس عن رؤاه وأسلوبه عبر مناظير السياسة الواقعية، واهتمامات الولايات المتحدة الأساسية - أمن الطاقة وأمن إسرائيل وبعض الحلفاء الآخرين والحد من انتشار الأسلحة النووية، وحماية الملاحة البحرية والحرب على الإرهاب.
وفي حالة فوز ترامب يمكن لنا تصور منهج له تجاه العالم العربي يقوم على الدمج بين مصالح اقتصادية وتجارية وعسكرية واستراتيجية. لكن عدم الاهتمام الظاهري له بشؤون العالم العربي، وخطابه السياسي الذي يركز على الشؤون الداخلية وقوله بأنه يسعى إلى توسعة فرص العمل أمام الأميركيين وخلفيته المهنية كمطور للعقارات وشخصية لها ظهور إعلامي، كما أن ممارساته السياسية والاقتصادية أثناء فترة رئاسته الأولى توحي بأنه ينظر إلى السياسة الخارجية بمنظور رجل الأعمال الذي يركز على المسائل التجارية والاقتصادية وإبرام الصفقات والأرباح المالية أكثر من تركيزه على السياسة الخارجية من مناظير سياسية وعسكرية واستراتيجية. لذلك، فإن اختيارات ترامب لأعضاء إدارته في حال فوزه لن تكون غالباً من بين السياسيين المحترفين المعروفين، ولكن من بين رؤساء الشركات التجارية والصناعية الذين لديهم خبرة في التفاوض وعقد الصفقات التجارية المربحة.
مثل هذا الأمر يعتبر شأناً سلبياً مؤثراً، فعندما يتم تعيين هؤلاء وزراء للخارجية أو مستشارين للأمن القومي أو مندوبين دائمين لدى الأمم المتحدة أو سفراء لدى الدول العربية المهمة يكون الأداء دون المستوى، فشؤون السياسة ليست كعقد الصفقات التجارية. مثل هؤلاء لديهم خبرات جيدة في إدارة الأعمال التجارية والاقتصادية والتفاوض لعقد الصفقات لكن ينقصهم الخبرة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية وشؤون الأمن القومي والقضايا العسكرية والاستراتيجية، والجلوس في حضرة الرؤساء والملوك. وللحديث صلة.
*كاتب إماراتي