نجاح دولة الإمارات في أداء هذا الدور الإنساني يستند إلى أنها التزمت موقف الحياد منذ اندلاع الحرب، ووقفت على مسافة واحدة من الطرفين، ورفضت كل الضغوط من أجل الانحياز إلى أحد الطرفين . تنطلق دولة الإمارات العربية المتحدة في مقاربتها للقضايا الدولية من حرص على إقرار السلم وترسيخه، والسعي المستمر إلى إيقاف كل أشكال الصراعات والنزاعات التي تتحمل الدول والشعوب تكلفتها الباهظة، وهو ما يظهر جلياً في المبدأ العاشر من «مبادئ الخمسين»، الذي ينص على أن «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، يُعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية».
كما أن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات تؤكد دائماً أهمية الجهود التي تُبذل من أجل إنهاء الحروب والصراعات وإقرار السلم في كل مكان من العالم، وتبادر إلى المشاركة فيها استشعاراً لمسؤوليتها وواجبها الإنساني، وخاصة مع مكانتها الدولية التي تتيح لها أن تكون صوتاً مسموعاً ومؤثراً، وهو ما عبَّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقوله إن «نهج دولة الإمارات الدائم والثابت هو العمل من أجل السلام والاستقرار ودعم كل ما يحقق مصالح الشعوب في التنمية والرخاء على المستويين الإقليمي والدولي».
ويجسد نجاح دولة الإمارات، في إتمام عملية تبادل جديدة للأسرى بين روسيا وأوكرانيا، السبت الماضي، 24 أغسطس 2024، أحد النماذج الواضحة لتطبيق «المبدأ العاشر» المشار إليه أعلاه، حيث تبادل الطرفان، بوساطة إماراتية، 230 أسيراً، وهي المرة السابعة التي تنجح فيها الإمارات في إنجاز هذه المهمة، وتخفيف آلام الحرب الضروس التي بدأت قبل عامين ونصف من الآن.
وقد نجحت الوساطات السبع في إطلاق ما مجموعه 1788 أسيراً من الجانبين، على الرغم من التطورات الميدانية الأخيرة التي أدت إلى تصاعد حدة العمليات العسكرية واحتدام المواجهات. وليس هناك من شك في أن نجاح دولة الإمارات في أداء هذا الدور الإنساني يستند إلى أنها التزمت موقف الحياد منذ اندلاع الحرب، ووقفت على مسافة واحدة من الطرفين، ورفضت كل الضغوط من أجل الانحياز إلى أحد الطرفين، وواصلت علاقاتها الطبيعية معهما، وقدَّمت المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب، ومنها 100 مليون دولار أميركي إلى المدنيين الأوكرانيين، كما تم تدشين جسر جوي من المساعدات الإغاثية والمواد الغذائية الأساسية والطبية والمولدات الكهربائية وسيارات الإسعاف وغيرها من المستلزمات الطبية والتعليمية، فضلًا عن تسيير طائرات تحمل إمدادات إغاثية للاجئين الأوكرانيين في دول الجوار مثل بولندا ومولدوفا وبلغاريا. وقد سبقت عملية التبادل الأخيرة ست عمليات مماثلة منذ بداية عام 2024، الأولى في 03 يناير، والثانية في 30 يناير، والثالثة في 08 فبراير، والرابعة في 31 مايو، والخامسة في 25 يونيو، والسادسة في 18 يوليو، ولم تكن المفاوضات في أي من هذه الصفقات أمراً يسيراً، لكن الدبلوماسية الإماراتية استطاعت التغلب على كل العقبات التي اعترضت طريق التفاوض، وعالجت مخاوف الطرفين وتحفظاتهما بحكمة، ووظفت طاقاتها وإمكاناتها لإتمام عمليات التبادل، مستفيدة من رصيد المصداقية والثقة في أنها الطرف الأقدر على أداء المهمة على وجهها الأكمل. وقد أبرز بيان وزارة الخارجية الإماراتية هذه الحقيقة، إذ أشار إلى أن نجاح الوساطة الجديدة يجسد علاقات الصداقة والشراكة التي تجمع دولة الإمارات بالبلدين، وأكد أن دولة الإمارات ستواصل مساعيها لدعم كافة الجهود والمبادرات التي تُبذل من أجل الوصول إلى حل سلمي للنزاع، وأن الحوار وخفض التصعيد هما السبيل الوحيد لحل الأزمة، ما سيسهم في التخفيف من الآثار الإنسانية الناجمة عنها.
وليس هناك شك في أن صفقة تبادل الأسرى السابعة لن تكون الأخيرة من نوعها، فقد وضعت الدبلوماسية الإماراتية ركائز وطيدة لاستدامة هذا المسار، وعززت الآمال بإمكانية توسيعه والامتداد به إلى أشكال أخرى من الحوار بين طرفي الصراع، وتخفيف حدة المواجهات العسكرية وصولاً إلى إيقافها. وفي هذه العملية المرتقبة، ستكون دولة الإمارات من بين الأطراف الأكثر قدرة على إقامة الجسور وإيجاد أرضيات مشتركة، بحكم رصيد الثقة والاحترام الذي يتزايد كل يوم.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.