منذ اندلاع النزاع بين روسيا وأوكرانيا، حاولت الحكومات الغربية تبني سياسات لعزل الاقتصاد الروسي عن النظام المالي والاقتصادي العالمي، ولكن بلا جدوى تقريباً، حيث فشلت تلك الجهود في التأثير على الاقتصاد الروسي بالشكل المطلوب، وتبقى روسيا قوة اقتصادية كبرى تتحكم في سوق الطاقة العالمي، وتحتل مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي رغم العقوبات والإجراءات الاقتصادية المفروضة عليها.

أسباب هذا الفشل متعددة ومعقدة، حيث تتنوع بين الاعتماد العالمي على موردي الطاقة الروسية، والتباين في السياسات الدولية بين الدول الغربية المختلفة، والتحديات الاقتصادية التي تواجهها تلك الدول أنفسها. الاعتماد العالمي على موردي الطاقة الروسية يعتبر عاملاً رئيسياً في استمرار تدفق الأموال إلى الاقتصاد الروسي، حيث تمتلك روسيا إمدادات هائلة من النفط والغاز، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في سوق الطاقة العالمي. على سبيل المثال، يعتمد الاتحاد الأوروبي بمتوسط 35% من حاجاته من الغاز الطبيعي على روسيا.

أي حظر غربي على قطاع الطاقة الروسي قد يكون مؤلماً لموسكو، لكنه سيكون أكثر إيلاماً للاقتصادات الغربية على المدى القصير.كذلك، نجحت روسيا في التفاف حول سقف أسعار النفط، حيث واجهت مشكلة في تحديد الحدود العليا لأسعار النفط عن طريق استخدام أسطول من الناقلات وشركات التأمين غير الغربية، وفشلت محاولات الغرب في فرض عقوبات على هذه الناقلات الروسية. ونتيجة لهذه الاستراتيجيات، تمكنت موسكو من التفاف على السيطرة الغربية على أسعار نفطها. بالإضافة إلى ذلك، استمرار صادرات روسيا إلى دول مثل الصين والهند، وخاصة استمرار تصدير النفط والسلع الأساسية إلى هذه الأسواق، سمح لروسيا بالحفاظ على عائدات قوية من تصدير منتجاتها. وهذا يعني أن روسيا ما زالت قادرة على تسويق منتجاتها في الأسواق العالمية.

أيضاً، التباين في السياسات الدولية بين الدول الغربية يعرقل جهودها في توحيد الموقف ضد روسيا. بعض الدول قد تكون أكثر تأثراً بالتبادل التجاري مع روسيا من غيرها، مما يجعلها تتردد في فرض عقوبات قاسية تؤثر على علاقاتها التجارية والاقتصادية بالفعل القائمة.

علاوة على ذلك، تلعب التحديات الاقتصادية الداخلية في الدول الغربية دوراً كبيراً في تحديد سياساتها تجاه روسيا. بعد الأزمة المالية العالمية وتأثيرات جائحة كوفيد-19، تواجه العديد من الدول الغربية تحديات اقتصادية جسيمة، مما يجعلها بحاجة إلى توازن بين مواجهة التهديدات الجيوسياسية الخارجية والحفاظ على استقرار اقتصاداتها الداخلية. بشكل عام، فشل الحكومات الغربية في عزل الاقتصاد الروسي عن العالم منذ اندلاع الحرب مع أوكرانيا يعود إلى تداخل عدة عوامل وتفاعلها مع بعضها البعض.

هذا الفشل قد يفتح الباب أمام سياسات جديدة تركز على استخدام الدبلوماسية بشكل أكبر كوسيلة للتأثير على سياسات روسيا، ويمكن أن يتغير هذا النهج بناءً على المشهد السياسي الدولي وتطورات السياسة الداخلية في الدول الغربية، خاصة في الولايات المتحدة.

*باحثة سعودية في الإعلام السياسي