يقال إن كل شيء يجب أن يكون بسيطاً قدر الإمكان، ولكن ليس أبسط من ذلك. ووفقا لهذا المعيار، يمكن القول إن دونالد ترامب ومؤتمر الحزب الجمهوري الذي عقد لتسميته مرشحا للرئاسة باسم الحزب لم يحقق الهدف المطلوب منه.
ففي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، صوّر تيار الـ «ماغا» («أجعل أميركا عظيمة من جديد») الذي يتزعمه كل مشكلة في العالم على أنها خاضعة لـ «قوته» المزعومة، في تباين قوي مع ضعف جو بايدن المفترض. وهذا أبسط بكثير من البساطة، بل بدائي.
ولا شك أن مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي انتهى الأسبوع الماضي، كان فرصة أمام كمالا هاريس وزميلها في السباق تيم والز للقيام بما هو أفضل من ذلك. ففيما يتعلق بقضايا الأمن القومي، كان بمقدورهما أن يُظهرا أنهما متمرسان وقويان في الوقت نفسه، مما يؤهلها أكثر من ترامب لشغل منصب القائد الأعلى المقبل. كما يمكنهما أن يؤشرا إلى أنهما من جيل جديد، لديه نظرة عالمية أحدث من نظرة بايدن للعالم -- على نحو يُستحب أن يتحاشى إحراج الرئيس، الذي سلّمها المشعل بلطف كبير في خطابه ليلة الاثنين. وبهذه الطريقة يستطيع «الديمقراطيون» أن يجلبوا ليس فقط سياسة التعاون الدولي إلى حملتهم ولكن أيضا الخبرة والحنكة، مثلما جلب الجمهوريون القومية والتعصب إلى مؤتمرهم في ميلووكي. وتستطيع هاريس أن تفعل ذلك ليس لأن والديها مهاجران (فكذلك كانت والدة ترامب، واثنتان من زوجاته، وأصهار رفيقه في السباق)، وإنما لأنها تنظر ووالز إلى ما وراء الحدود من خلال منظور يراعي الاختلافات الدقيقة أكثر من أي منظور متاح لترامب. ذلك أنه بالنسبة لترامب، العالم يتألف من رجال أقوياء مثله (مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) ينبغي التقرب منهم والتودد إليهم، وحلفاء يشقون عصا الطاعة أحيانا (مثل ألمانيا) وينبغي إخضاعهم للاشتباه في استغلالهم للولايات المتحدة.
ويظن ترامب أنه لو كان في البيت الأبيض، لما وقعت أزمة أوكرانيا. فخلال مناظرته مع بايدن، قال ترامب ساخرا إن «بوتين يضحك على هذا الرجل» (يقصد بايدن) و«ربما يطلب ملايين الدولارات مقابل الصحافي» (يقصد إيفان غيرشكوفيتش، وهو صحفي أميركي احتجزه الكرملين كرهينة). وقال ترامب متباهيا: «سأُخرجه بسرعة حالما أتولى الرئاسة، بل قبل أن أتولى الرئاسة». غير أن ما حدث في العالم الحقيقي هو أن بايدن أخرج غيرشكوفيتش، وعددا من المعتقلين الأميركيين الآخرين أيضا.
ولكنه فعل ذلك في صفقة سرية ومعقدة شاركت فيها دول متعددة، بما في ذلك ألمانيا، التي قامت بدورها إلى حد كبير ضد مصلحتها الوطنية (المحددة بشكل ضيق) لمساعدة حليفتها الولايات المتحدة. هاريس، المدعية العامة والسيناتور السابقة، لديها خبرة أقل في الشؤون الخارجية، رغم أنها عوّضت ذلك بجدول سفر مزدحم كنائبة للرئيس. ففي هذا المنصب، لم يكن أمامها خيار سوى تمثيل سياسة رئيسها الخارجية «جو بايدن». وقد أفلحت في ذلك. ففي مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام، قدّمت رؤية واضحة تتماشى مع رؤية بايدن إلى حد كبير وتتعارض مع رؤية ترامب. فهي تنظر إلى أميركا باعتبارها قائدة عالمية تعمل مع حلفائها في أوروبا وآسيا وأماكن أخرى للحفاظ على النظام الدولي. كما أنها تميل إلى تأييد التعاون بدلا من الانعزالية التي يتبناها ترامب.
ولا شك أن اختلافاتها مع بايدن ستصبح أكثر وضوحا مع مرور الوقت. وحتى الآن، تظهر هذه الاختلافات بشكل رئيسي من خلال التركيز النسبي. فالرئيس، المولود قبل أن تصبح إسرائيل دولة، يتعاطف دائما معها. أما هاريس، فتنظر إلى إسرائيل كما هي اليوم، أي كحليف استراتيجي ولكن أيضا كحليف إشكالي يحتاج إلى الحماية، ولكنه يعرقل أيضا هدف واشنطن المتمثل في حل الدولتين للفلسطينيين والإسرائيليين. والواقع أن بايدن حاول إظهار التعاطف مع ضحايا العنف الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وهو يستحق الثناء لسعيه الدؤوب للتوصل إلى وقف إطلاق النار، والذي بات الآن يبدو أقرب من أي وقت مضى.
ولكن هاريس تضرب على أوتارها بشكل أفضل. فبعد تغيّبها عن خطاب نتنياهو الأخير أمام الكونجرس ثم مقابلته على انفراد، قالت هاريس: «لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نظل مخدّرين تجاه المعاناة، ولن أصمت». وأضافت قائلة إن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها، ولكن «طريقة فعل ذلك مهمة».
والأكيد أن هذه اللهجة لن ترضي المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في شيكاغو ولا اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في اليمين الجمهوري، ولكنها ستلقى صدى لدى العديد من الأميركيين الآخرين، ولدى كثير من الناس في الخارج الذين يبحثون عن مؤشرات حول كيفية تفاعل واشنطن مع العالم في حال فوزها ووالز. وخلاصة القول إن عالم اليوم متعدد الأقطاب ومربك وخطير أكثر من العالم الذي نشأ فيه بايدن أو ترامب. ويبدو أن هاريس ووالز مرتاحان مع هذا التعقيد. وعليهما أن يُظهرا حنكتهما خلال الحملة الانتخابية عبر جعل كل شيء بسيطا قدر الإمكان، ولكن ليس أبسط من ذلك. كاتب وصحافي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن».