مع مُضي الأيام تقترب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة من موعدها في نوفمبر 2024، ومع هذا الاقتراب تتوالى الأحداث الدرامية المثيرة، فمن محاولة اغتيال دونالد ترامب، إلى تنحي الرئيس جوزيف بايدن عن خوض الانتخابات، إلى ترشيحه لنائبته كامالا هاريس بديلاً عنه، إلى ما يمكن أن يحدث غير ذلك من الأحداث والمفاجآت.
ونحن نعلم أن هذه الانتخابات شأن داخلي أميركي، لكننا في الوقت نفسه مقتنعون بأنه شأن داخلي ذو صبغة عالمية.
لذلك سنقوم بكتابة سلسلة مقالات تحليلية حولها وحول التنافس - الصراع - الدائر بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» للفوز بالكرسي الرئاسي للسنوات الأربع القادمة.
وفي حين أن ما يهم الناخبين في الولايات المتحدة، هو الشؤون الداخلية والاقتصاد والهجرة غير الشرعية والبطالة والكساد، فإن ما يهمنا كعرب وخليجيين، هو توجهات السياسة الخارجية تجاه العالم العربي والخليج العربي وتشابكات ذلك مع الأطراف الأخرى، كالصين وروسيا وإيران والهند وإسرائيل.
في الوقت الذي تتأرجح فيه سياسة الولايات المتحدة الخارجية، ما بين سياسات ومواقف الحزبين، يلاحظ بأن نتائجها تؤثر على مصالح البلاد في جميع أقطار العالم.
وتتجلى صور التأرجح ما بين إيلاء «الديمقراطيين» أولوية لعلاقات بلادهم مع دول القارتين الأوروبية والآسيوية وفقاً لمقولات عبر الأطلسي وعبر الباسيفيكي، ووفقاً للأنماط المرتبطة بالعولمة والمؤسسات العالمية التي تجعل المتابع لما يدور يشعر بأن الجهود الدائرة هي حديث متكرر لأحداث ما بعد الحرب الباردة.
تلك المرحلة لم تتمخض عنها نتائج بقيام نظام عالمي جديد للأمن يكون بديلاً لنظام توازن القوى الذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الأمر اللافت في توجهات «الديمقراطيين» هو الشراكات التجارية عبر الأطلسي والشراكات الاستثمارية عبر الباسيفيكي.
ويبدو بأن تلك الشراكات تعود بنتائج أوصلت مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والتجارية إلى طرق مسدودة.
يقابل ذلك أن «الجمهوريين» يركزون على التخلي عن العديد من الاتفاقيات التجارية مع أوروبا وآسيا، ويسعون نحو الحماية التجارية وعقد الصفقات المربحة بالتركيز على أنها مضمونة النتائج ومؤمنة عبر افتراضات ضمنية تكمن في المنافسة التجارية والاقتصادية العالمية القائمة على المعادلات الصفرية.
وبهذا المعنى ينظر الساسة «الجمهوريين» إلى الانهيار البطيء للنظام العالمي السابق الذي سعت بلادهم إلى بنائه، ليس كمسبب لكارثة أو كعاكس لقيم وأنماط ومصالح غربية، ولكن كنهاية لمرحلة من العولمة المفتوحة بلا قيود أضرت بقاعدة الصناعة الأميركية وأفرغتها من محتواها، وقادت إلى خلق بيروقراطية غير منتجة، وإلى تشكل نخبة فكرية هي في تضاد مع اتجاهات القيم الأميركية منظومة ذهنية - سياسية كهذه تنذر بحدوث تغييرات في دور الولايات المتحدة العالمي، وعلاقاتها مع جيرانها، ومع أوروبا وشرق آسيا والعالم العربي، نظراً لكون الالتزامات العالمية والشراكات القائمة تحتاج إلى إعادة النظر فيها، والأخذ بمناهج جديدة أحادية الطابع، تركز بعمق على مصالح الولايات المتحدة الفردية.
وعليه يفترض عدد من المهتمين بالشأن الأميركي بأن تغيرات مهمة ستصبح ممكنة الحدوث تجاه العالم العربي، خاصة في حال فوز دونالد ترامب.
ومن ما نلاحظه من طروحات ضمت الحملات الانتخابية الحالية، يقوم «الجمهوريون» بانتقاد منهج «الديمقراطيين» بشدة مركزين على أن ما يحدث من تدهور المصالح الولايات المتحدة آتٍ من فشل سياساتهم، وبأن من شأن هذه السياسات أن تذهب بـ«الديمقراطيين» إلى أوضاع ليست في مصلحة الولايات المتحدة، داخلياً وخارجياً، ويرد «الديمقراطيين» بردود مشابهة، لكن من منطلقات فكرية مغايرة.
لقد تخلى ذلك بوضوح من نتائج المناظرة التي جرت بين الرئيس بايدن والمرشح «الجمهوري» دونالد ترامب.
وللحديث صلة.
*كاتب إماراتي