أصدر البنك الدولي بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة قبل أربعة شهور تقريراً صادماً للغاية، يفيد بأن تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزة تقدر بنحو18 ونصف مليار دولار.
التقرير تحدث وبالأرقام عن تفاصيل الخراب والدمار في قطاع سكاني «الأكثر كثافة سكانية في العالم» ومحاصر ومغلق من كل الجهات.أتذكر حين قرأت الأرقام تحدثت مع «زملاء» في غزة «في رفح تحديداً» كنت أترجم قراءتي للأرقام إلى ما سمعته وهم يتحدثون لي عن المأساة كما هي. هم آباء وأرباب أسر وأبناء وبشر مثلنا تماماً كانت لهم أحلامهم وطموحاتهم في هذا العالم، وصار أقصى طموح لهم الحصول على «جردل ماء» للاستحمام والشرب.
الأكثر رعباً أنهم «وهم صحفيون معروفون بالشجاعة المهنية» غير قادرين على التصريح بأحوالهم لأن حصاراً داخلياً من نوع آخر يطبق عليهم بالترهيب والتهديد، فأي حديث عن تفاصيل العيش المأساوي للعالم قد يفضي إلى كسر «الصمود» كما يقولون لي. والصمود فرض عين بالغصب على كل إنسان بقرار من «حماس» التي لا تزال قادرة على التهديد والعقاب!
فتخيل حجم الحصار وقسوته من كل جانب ومن الداخل أيضاً. التقرير الأممي يفصح «ويفضح» بالأرقام حجم الكارثة الإنسانية التي لها تداعياتها مؤجلة الدفع والاستحقاق كفاتورة باهظة سيدفعها العالم فيما بعد.
72 في المئة من التكلفة تكمن في المباني السكنية، وهذا رقم ضخم جداً ترجمته تعني «شعباً كاملاً» على قارعة التشرد بلا مأوى، ويضيف التقرير المرعب «يجب أن يكون مرعباً للعالم كله» أن «الدمار خلف كمية هائلة من الحطام والأنقاض تقدر بنحو 26 مليون طن، قد تستغرق سنوات لإزالتها والتخلص منها».
بالنسبة لي، فالأخطر ما أورده التقرير من نتيجة تقول إن النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة كانوا من الفئات الأكثر تأثراً بما دمرته الحرب من «آثار تراكمية كارثية على صحتهم البدنية والنفسية والعقلية، مع توقع أن يواجه الأطفال الأصغر سناً عواقبَ سوف تؤثر على نموهم وتطورهم طوال حياتهم».
هؤلاء الأطفال- «من سيكون محظوظا ليعيش منهم»- هم المأساة الحقيقية إذا علمنا أنه وحسب التقرير الأممي نفسه فإن 100 في المئة من الأطفال خارج المدارس. أي أنهم لمن يحصلوا على نظام تعليمي بالمطلق ولسنوات قادمة عديدة.
ولنا أن نتخيل أي جيل «أو جيلين» يمكن لنا أن نواجه في ظل انعدام كل مقومات الإنسانية، وقد تدمر 84 بالمئة من المستشفيات والمنشآت الصحية، بل صارت رمزاً للقتل والإبادة في ذاكرة الغزيين بدلاً من أن تكون ملجأ حماية وعلاج وأمان، مفهوم المدرسة في غزة – كما قال لي من تحدثت إليهم- صار رديفاً عند هؤلاء الأطفال للمأوى والملجأ للنوم فقط.
حتى وقف إطلاق النار – وهو مطلب عاجل وغاية في الضرورة- لن ينهي المأساة، فمع تعطيل 92 بالمئة من الطرق الرئيسة وتدهور بنية الاتصالات بالكامل، فإن إيصال المساعدات لوحده سيكون صراعاً جديداً مع التحديات الضخمة.
*كاتب أردني مقيم في بلجيكا