منذ يونيو الماضي، تتواتر مؤشرات الاهتمام التركي اللافت بأوراسيا، حيث زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان روسيا، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، وشارك في اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة «بريكس». وعبّر «فيدان» خلال الزيارة عن رغبة بلاده بالانضمام للمجموعة. كما أدّى «فيدان» زيارة إلى الصين خلال الفترة 5-7 يونيو، شكّلت نقطة تحوُّل مهمة في العلاقات التركية – الصينية، حيث أظهرت فيها أنقرة رغبتها في تجاوز الخلافات السياسية، والدفع نحو تعزيز التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية.
وعلى النسق ذاته، انتهز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة مشاركته في قمة شنغهاي للتعاون مطلع الشهر الحالي، حيث أكد لنظيره الصيني «شي جين بينج» رغبة تركيا بالحصول على العضوية الكاملة في المنظمة، وبأنها ستواصل تعاونها مع التحالف «في العديد من المجالات، خصوصاً الأمن والطاقة»، سعياً للإسهام في تحقيق هدف التكتل المتمثل في «التعددية في آسيا»، وهو ما تراه واشنطن والدول الغربية للناتو توجهاً مناوئاً لها تقوده الصين وروسيا.
وفيما يبدو أنه ردة فعل غربية على التوجه التركي المتصاعد باتجاه الشرق، أشارت تقرير إعلامية أميركية إلى أن المفوضية الأوروبية تستعد للإعلان عن خطة جديدة «لإحياء» وتعزيز العلاقات مع تركيا، ومن المقرر أن تعمل الخطة على ثلاث مراحل تشمل زيادة عدد الاجتماعات رفيعة المستوى بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وإعادة إطلاق عمليات بنك الاستثمار الأوروبي «إي آي بي» (EIB) في تركيا، وبدء محادثات جديدة لتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين الجانبين. ويمكن تفسير تحرك المفوضية في إطار السعي لخلق زخم جديد، يحتوى من خلاله الإحباط المتزايد لدى أنقرة بتعطل مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، التي تعد أطول مفاوضات في تاريخ التكتل بدأت منذ عام 2005، ويأتي ذلك بعد تجدد التلويح التركي بالانضمام إلى تكتلات اقتصادية منافسة على غرار مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وفي الوقت الذي تدرك فيه أنقرة أن إعادة ملف عضويتها للاتحاد الأوروبي على طاولة المفاوضات قد يبدو صعب المنال في المدى المنظور، غير أن تحقيق خطوات في سبيل تطبيق التحديثات التي تطالب تركيا بإجرائها في اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، وإعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول لدول «الشنغن»، تشكِّل مكاسب اقتصادية نوعية لأنقرة.وبالرغم مما سبق فإن موقف تركيا تجاه هذا التطور سيكون مرهوناً بمدى فاعلية سير تلك المفاوضات مستقبلاً، إذ قد لا تبدو مثمرة بالنسبة لأنقرة، حيث يشير آخر تقرير نشرته المفوضية الأوروبية في عام 2023، إلى أن الاتحاد يرى أن تركيا قد فشلت في الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتحاد الجمركي، ووصفت أنقرة تلك الادعاءات «بالمضللة»، متهمة الاتحاد الأوروبي «بتسيس» مفاوضات تحديث الاتفاقية الجمركية، وهو ما يعكس عمق الخلافات بين الجانبين حول هذه المسألة.
وخلاصة مجمل هذه التطورات أن توظيف تركيا لشراكاتها الدولية المتنوعة يبدو أقرب إلى أن يكون مناورة استراتيجية، توظّفها للضغط على الغرب لتسريع وتيرة المفاوضات في مختلف الملفات الاقتصادية والأمنية الحيوية لمصالحها الوطنية، ولا سيما ملف عضوية الاتحاد الأوروبي. بيد أنَّ من الصعب على تركيا الاستمرار في هذه السياسة، في ظل تزايد حدة الاستقطاب الدولي، ودور أنقرة المحوري في الجناح الشرقي لحلف «الناتو».
*باحث رئيسي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات