أثبتت الوقائع أن الحروب والصراعات الجوسياسية، التي تشهدها مناطق عدة من العالم، تساهم في ارتفاع عدد الأثرياء، وزيادة قيمة ثرواتهم، فيما يرتفع عدد الفقراء، وتزداد حالة الفقر حدة، مما يوسع «فجوة اللامساواة»، وما تحمله من مخاطر لا تقتصر فقط على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بل تشمل الجوانب الأمنية والسياسية، خصوصاً بعدما تحدث البنك الدولي عن مخاطر «الفقر متعدد الأبعاد»، والذي لا يقاس بالدخل اليومي البالغ 2.9 دولار للفرد، بل يجب الغوص في أوجه الحرمان، لاسيما من التعليم والصحة والأمان المالي. ولمواجهة انعدام المساواة المتزايدة، أطلق رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دي سيلفا «التحالف العالمي ضد الجوع والفقر»، ودعا «مجموعة العشرين» الاقتصادية التي تترأس بلادُه دورتَها للعام الحالي، إلى فرض ضرائب على أغنى أثرياء العالم، لتضييق «الفجوة» مع مختلف الطبقات الاجتماعية الأقل حظاً.

وهو أسلوب يحاكي ملاحقةَ عمالقة التكنولوجيا لدفع رسوم حقيقية على أعمالها. وقد اتفق وزراء مالية المجموعة في اجتماعهم الأخير في مدينة ريو دي جانيرو على العمل من أجل فرض ضرائب فعالة على الأثرياء. وجاء في البيان الختامي: «مع الاحترام الكامل للسيادة الضريبية، سوف نسعى إلى العمل على نحو يتسم بالتعاون، من أجل ضمان فرض ضرائب بشكل فعال على أصحاب الثروات الضخمة». ووفق الدراسات المتاحة، يمكن أن يدفع 2700 ملياردير حول العالم، وعلى شكل ضرائب سنوية، نسبة 2 في المئة فقط من ثرواتهم المقدرة بنحو 13 تريليون دولار، مما يؤدي إلى جمع إيرادات تصل إلى 250 مليار دولار، يمكن استخدامها لمواجهة الجوع والفقر وللوقاية من الأوبئة وحماية المناخ.

وفي هذا السياق حذّرت منظمة «أوكسفام» من استمرار مستويات غير معقولة من عدم المساواة في العالم، مشيرةً إلى أن الضرائب المفروضة على الأغنياء انخفضت إلى «مستويات تاريخية».

وحضت المنظمة حكومات مجموعة العشرين على فرض ضريبة سنوية بنسبة 8 في المئة على أصحاب الثروات الطائلة. ويعني ما سبق أن الثروة الإجمالية أصبحت في أيدي القطاع الخاص، ومن هنا تبرز خطورة تداعيات «اللامساواة» في الدخل والثروة نتيجة غياب «العدالة الضريبية» في كثير من بلدان العالم. وفي الوقت الذي لاقى فيه إعلان مجموعة العشرين تأييداً من دول عدة، مثل فرنسا وإسبانيا وكولومبيا وجنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، ورحبت به المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا التي وصفته بأنه «مؤيد للعدالة المالية، وجاء في الوقت المناسب»، فقد عارضته الولايات المتحدة، علماً بأن حصتها من إجمالي الأثرياء في العالم تبلغ 40 في المئة. وهناك ثلاث مدن أميركية (نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو) تستحوذ على «أثرى الأثرياء» بنحو 670 ألف ثري، بينهم 124 مليارديراً.

وخلافاً لنصيحة صندوق النقد برفع الضرائب لتخفيف الدَّين العام الأميركي الذي بلغ 35 تريليون دولار، يبرز الخلاف بين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في نوفمبر المقبل، إذ يؤيد مرشح «الجمهوريين» دونالد ترامب تمديد العمل بقانون العام 2017، والذي ينتهي مفعوله في العام المقبل، ويشمل تخفيضات كبيرة في الضرائب. فيما تطالب مرشحة «الديمقراطيين» كامالا هاريس بإجراء تعديلات على القانون، عبر تمديد الإعفاءات الضريبية لدافعي الضرائب الذين يحصلون على أقل من 400 ألف دولار، وزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى. وهذا مع العلم بأن مكتب الميزانية في الكونغرس، أفاد بأن تمديد القانون يمكن أن يضيف نحو 4.6 تريليون دولار إلى عجز الموازنة على مدى العقد المقبل.

* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية