قبل أسبوعين أعلن جو بايدن تنحيه من السباق الرئاسي بوصفه مرشح الحزب «الديمقراطي» لانتخابات 5 نوفمبر 2024 الرئاسية، وهو القرار الذي كان ينتظره كل قادة الحزب «الديمقراطي»، وكذا حلفاء الولايات المتحدة. فقد كانت الكارثة وشيكة ومتوقعة إذ لم يكن أمام جو بايدن سوى الخسارة بل وخسارة الانتخابات بفارق كبير أمام دونالد ترامب. ذلك أن المناظرة الأخيرة كانت كارثية.
وقد أراد بايدن أن يظهر أنه بصحة جيدة من خلال استضافته قمة حلف «الناتو»، ولكنه وقع في زلات فادحة إذ خلط بين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، وبين ترامب ونائبته كامالا هاريس. والأدهى من ذلك أنه أصيب بكوفيد ـ 19 في وقت كان فيه خصمه دونالد ترامب ينتشي، بعد محاولة اغتيال فاشلة، في مؤتمر ناجح للحزب «الجمهوري». وقد مثّل ذلك بالفعل انتصاراً حقيقياً لدونالد ترامب وزميله المرشح جاي. دي. فانس، الذي يستوفي كل المواصفات لإغراء أميركا ونيل دعمها باعتباره رجلاً أبيض انطلق من لا شيء وصنع ثروة.
جو بايدن غلّب مصالح عائلته السياسية على كبريائه الشخصي. وتجنّب منح الانتصار لترامب الذي لم يكن يحلم سوى بشيء واحد، ألا وهو: هزيمة الرجل الذي يعتقد أنه سرق فوزه في 2020. ولكن جو بايدن لم يمنحه هذه المتعة وتجنب هزيمة مذلة. ماذا سيحدث الآن؟
لقد خُلطت الأوراق من جديد. فدونالد ترامب لم يعد متأكداً من الفوز في هذه الانتخابات، ولكن شأنه في ذلك شأن «الديمقراطيين». البعض كان يتحدث عن ترشح ميشيل أوباما للرئاسة أو يأمل فيه، ولكن هذا لن يحدث، فقد أشار باراك أوباما نفسه إلى ثلاثة أشياء «مؤكدة في الحياة» هي: الموت، والضرائب، وحقيقة أن ميشيل لن تترشح.
والواقع أن ميشيل أوباما كانت ستفوز بالانتخابات بسهولة على الأرجح، ولكنها لا ترغب في الترشح. وفي الأثناء، حظيت كامالا هاريس بدعم جو بايدن وكل القادة «الديمقراطيين». صحيح أنها لا تتمتع بشعبية كبيرة، وخلال 4 سنوات من تولّيها منصب نائبة الرئيس، لم تستطع إقناع كثير من الأميركيين. ولكنها كانت هجومية منذ أول تجمع انتخابي لها.
وقد تميزت حين كانت مدعية عامة لولاية كاليفورنيا بسياسة اعتبرها البعض قاسية، إن لم تكن قاسية للغاية. وكان جو بايدن أوكل إليها قضية الهجرة الحساسة جداً، وهو ما يمثّل نقطة ضعف بالنسبة لها، لأن دونالد ترامب لن يتردد في مهاجمتها بخصوص هذه القضية واتهامها بأنها تغذّي سيلاً من المهاجرين إلى الولايات المتحدة وبأنها مسؤولة عن السماح بدخول مجرمين خطرين جداً إلى البلاد، على حد تعبيره. ومن الواضح أن دونالد ترامب مقتنع بأنه سيهزم كامالا هاريس في أي مناظرة بينهما، ولكنه من غير المؤكد أن يشعر بالقدر نفسه من الراحة في مناظرة امرأة. كامالا هاريس ستركّز حملتها الانتخابية بكل تأكيد على حقوق المرأة ومحاولة كسب أصوات النساء في مواجهة دونالد ترامب الذي يرغب في تقليص الحق في الإجهاض أو حتى إلغائه. وبالمقابل، سيركز دونالد ترامب حملته الانتخابية على الهجرة والأمن. وكما هو الحال في كثير من الأحيان، لن تكون القضايا الدولية ضمن محاور النقاش.
وفي هذا الصدد، يمكن القول، إن زيلينسكي سيكون سعيداً لأن فوز دونالد ترامب لم يعد مؤكداً. أما ما هو مؤكد، فهو أن فوز ترامب، وهو احتمال لا يمكن استبعاده، وخاصة أنه ما زال المرشح الأوفر حظاً، لم يعد مؤكداً كما كان عليه الحال أمام جو بايدن.
وما هو مؤكد أيضاً هو أن الحملة الانتخابية ستكون عنيفة للغاية، وأن الضربات تحت الحزام والتصريحات التحريضية وحتى المهينة ستطغى على النقاش الهادئ والمستنير على الأرجح. وعلى كل حال، سيتابع العالم بأسره هذه الانتخابات باهتمام وشغف، أولاً، لأن النزال يعد بأن يكون مثيراً، ولكن قبل كل شيء، لأن هذه الانتخابات حدثٌ يتعلق بالسياسة الداخلية الأميركية. فالولايات المتحدة ما زالت هي القوة الرائدة في العالم، والعلاقة مع بقية العالم تُحلَّل بشكل مختلف جداً من قبل دونالد ترامب وكامالا هاريس. ولهذا فإن هذه الانتخابات تهمّ العالم بأسره.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس