في أول ميزانية له منذ توليه السلطة لولاية ثالثة، أظهر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن تركيز حكومته سيظل منصباً على خلق فرص العمل. ورغم أن الهند هي أسرع اقتصاد نمواً في العالم، إلا أن المشكلة التي يواجهها اقتصاد البلاد هي أن فرص العمل لا يتم خلقها بالسرعة الكافية للملايين الذين يدخلون سوق العمل.

وهذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها وزير المالية الهندي، أثناء عرضه الميزانية في البرلمان هذا الأسبوع، عن سلسلة من التدابير لتعزيز المهارات والوظائف. وسيتلقى الوافدون الجدد إلى سوق العمل في القطاع الرسمي تحويلاً نقدياً مباشراً يعادل راتبهم الشهري بحد أقصى 15 ألف روبية.

وسيكون العمال الذين يتقاضون رواتب تقل عن 100 ألف روبية سنوياً مؤهلين لتلقي هذا المبلغ، فضلاً عن قيام الحكومة بسداد بعض مساهمات الضمان الاجتماعي لأرباب العمل. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة عن برنامجين آخرين لتعزيز الوظائف في قطاع التصنيع، حيث أعلنت الحكومة أنها ستوفر حوافز مرتبطة بالتوظيف لكل من الموظفين وأرباب العمل. وتشمل التدابير الأخرى تطوير 1000 معهد للتدريب الصناعي على مدى السنوات الخمس المقبلة وتوفير فرص للتدريب في 500 شركة من أفضل الشركات لعشرة ملايين شاب على مدى خمس سنوات.

كما تضمنت العديد من المبادرات في الميزانية لتعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة الوطنية، بما في ذلك إنشاء مساكن للنساء العاملات، ومرافق الحضانة، وبرامج تأهيل خاصة بالنساء، وتعزيز الوصول إلى السوق لمجموعات المساعدة الذاتية التي تقودها النساء.

ووفقاً للميزانية، تم تخصيص 2 تريليون روبية لخلق فرص العمل والتعليم، مما سيؤثر على 40 مليون شاب، بالإضافة إلى تخصيص 1.48 تريليون روبية للتعليم والتوظيف والتأهيل. إن التركيز في الميزانية على الوظائف هو أيضاً انعكاس للانتخابات التي انتهت مؤخراً، والتي لم يحقق فيها حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه ناريندرا مودي أداء جيداً كما كان متوقعاً. وفي حين أن رئيس الوزراء مودي قد تولى السلطة لولاية ثالثة، فإنه لا يتمتع بالأغلبية بمفرده. إذ إن حزب بهاراتيا جاناتا الذي فاز في الانتخابات مرتين متتاليتين بأغلبية ساحقة، يعتمد في ولايته الثالثة على حلفائه في الائتلاف.

ويرتبط الأداء الأقل من المتوقع للحزب الحاكم بكيفية تحول البطالة إلى قضية رئيسية للهنود. لا شك أن الملايين من الشباب الهنود لم يتمكنوا من العثور على وظائف. يدخل سبعة إلى ثمانية ملايين شخص إلى سوق العمل كل عام، مما جعل البطالة واحدة من القضايا الرئيسية في الانتخابات العامة الثامنة عشرة في الهند.

وبينما حققت الهند نمواً اقتصادياً قياسياً، فإنها لا تزال تكافح من أجل خلق فرص العمل، الأمر الذي يعد بالغ الأهمية للبلاد إذا كانت تريد الاستفادة من الميزة الديموغرافية. إذ تعتبر الهند موطناً لأكثر من 600 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، 65% منهم تحت سن 35 عاماً.

ومن المتوقع أن تستمر هذه الميزة الديموغرافية على الأقل حتى عام 2055-56 وستبلغ ذروتها حوالي عام 2041، عندما من المتوقع أن تصل حصة السكان في سن العمل (20-59 عاماً) إلى 59%. ولكن لا يمكن الاستفادة من هذا إلا إذا تم خلق فرص العمل، وأن تضمن المهارات التوظيف. على أي حال، من المؤكد أن الميزة الديموغرافية للهند ستساعد في دفع المصالح العالمية للبلاد أيضاً.

وبالفعل، فإن الطلب على المهنيين الهنود مثل الممرضات والعاملين في القطاع الخاص آخذ في الارتفاع. وتسعى دول من ألمانيا إلى اليابان، التي تعاني من شيخوخة السكان، بشكل متزايد إلى توظيف المواهب من الهند. ولا شك أن هذا النوع من الطلب على المهنيين الهنود سيزداد في المستقبل.

ومع كل هذا، تحتاج الهند أيضاً إلى الاحتفاظ بمواهبها داخل الهند أيضاً لتعزيز الاقتصاد الهندي. بالنسبة لناريندرا مودي، أصبح خلق فرص العمل هو المحور الأكثر أهمية في ولايته الثالثة في السلطة. إن التحدي كبير ولا توجد حلول سهلة لكيفية خلق فرص العمل وتوفير فرص العمل المربحة للشباب في الهند. علاوة على ذلك، ترجع الأهمية التي يتم إيلائها للوظائف في الميزانية إلى استجابة حكومة مودي سياسياً للتفويض الانتخابي، إذ إن هناك قدراً كبيراً من الاستياء بشأن وضع الوظائف في الهند.

في الواقع، بلغ معدل البطالة في الهند 3.2% في السنة المالية 2022-2023، وفقاً للبيانات الرسمية. وانخفض معدل البطالة بين الشباب إلى 10% خلال الفترة المذكورة مقابل 17.8% في السنة المالية 2017-2018. والتأكيد، فإن التحدي الاقتصادي الأكبر الذي تواجهه الهند لا يزال يتمثل في خلق فرص العمل. وإلا، فستكون هناك حالات يواجه فيها شباب الهند البطالة أو يظلون في وظائف مع شعور بالاستياء. وبالتالي، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه رئيس الوزراء مودي في ولايته الثالثة سيكون وضع الهند على مسار ليس فقط للنمو الاقتصادي السريع لإخراج الملايين من براثن الفقر، ولكن أيضاً تمكين أولئك الذين يدخلون سوق العمل حتى يحصلوا على عمل مربح.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي