بعد محاولة الاغتيال المروعة التي تعرض لها الرئيس السابق دونالد ترامب، توالت التحذيرات حول ضرورة نبذ العنف والانخراط في نقاش سياسي سلمي. وربما كانت هذه التحذيرات موجهة إلى الساسة والناخبين معاً، لكن يتعين على وسائل الإعلام أن تولي اهتماماً قوياً بالموضوع. فالتركيز المستمر على استطلاعات الرأي والتنبؤ (على نحو غير صحيح غالباً) بعواقب الأحداث غير المسبوقة يجعل وسائل الإعلام تبدو غير جادة وغير ذات صلة بالاختبار التاريخي لديمقراطيتنا. والتوقعات المنفعلة والإعاقة المستمرة تسيء فهم نظرة عامة الناس إلى السياسة. والأسوأ من ذلك أن مثل هذه التقارير تعمل على مزاحمة التغطية الأساسية للتهديدات الحقيقية للديمقراطية ورؤى الحزبين.

وبدلا من ذلك، ينبغي لإطلاق النار على تجمع ترامب في بتلر (بنسلفانيا) أن يدفع وسائلَ الإعلام إلى رفع مستوى الخطاب وإعادة تبني مهمة الصحافة، والتي تتمثل في إعلام الناس بالقضايا الحرجة. إن تصنيف خطابات ترامب على أساس النقاط التي يتناولها والإعجاب بأسلوبه في التلاعب بالجماهير، بدلا من تسليط الضوء على جهوده لتحوير الأعراف الديمقراطية، لا يساعد في خلق ناخبين مطلعين، بل يخفي الحالةَ الأساسية وهي أن الحملة تشكل خطراً على نظامنا الدستوري. وينبغي للتغطية الإعلامية المسؤولة أن تركز على عدة مواضيع رئيسية. أولاً، ينبغي وضع إطلاق النار في سياق ثقافة الأسلحة التي لا تطاق لدينا.

وكما أشار زملاء مطلق النار السابقون، يعيش طلاب المدارس الثانوية في خوف من عمليات إطلاق النار الجماعية على يد أقرانهم. إن الأسئلة الصعبة حول إمكانية حصول مطلق النار على سلاح من أسلحة الحرب، وحول الحدود العمرية لاستخدام مثل هذه الأسلحة، وحول مقاومة «الجمهوريين» للحد من الوصول إلى مثل هذه الأسلحة، يجب أن تكون موضوع التغطية. ويتعين على وسائل الإعلام المسؤولة أن تضغط على الجمهوريين لتفسير إصرارهم على أن «كل ما يتطلبه الأمر لإيقاف رجل شرير يحمل سلاحاً هو رجل طيب يحمل سلاحاً».

ثانياً، يقع على عاتق الصحافة الالتزام بالتحقيق في تصاعد العنف السياسي والخطاب العنيف الذي سبق ذلك. لم يكن العنف هو الحل أبداً، سواء أكان ذلك مع استهداف أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين، أو حشد عنيف يهاجم مبنى الكابيتول في 6 يناير، أو هجوم وحشي على رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، أو ترهيب مسؤولي الانتخابات، أو مؤامرة اختطاف ضد حاكم حالي، أو محاولة اغتيال دونالد ترامب. وفي أعقاب إطلاق النار، يشير العديد من الجمهوريين إلى خطاب بعض «الديمقراطيين» في محاولة واضحة لتهدئة الانتقادات الموجهة لتقويض الديمقراطية. لكن من المناسب، بل من الضروري تغطية تصرفات الجمهوريين وخطاباتهم التي سبقت إطلاق النار أيضاً. يتعين على وسائل الإعلام أن تضغط على الجمهوريين لحملهم على شرح (والتخلي) عن الحديث حول المحاكمات العسكرية المتلفزة لأعضاء لجنة السادس من يناير والتهديدات بإعدام الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة. كما ينبغي التدقيق في اختيار المرشح لمنصب نائب الرئيس ترامب الجديد، السيناتور «جيه دي فانس» (الجمهوري من ولاية أوهايو)، الذي وجّه اتهاماً غير مدعوم بأن إطلاق النار «لم يكن مجرد حادث معزول».

ثالثاً، ينبغي لهذا الحادث أن يعيد تركيز الاهتمام على المقترحات السياسية التي قدمها المرشحون. فقد كرر الرئيس بايدن قبل أن يعلن انسحابه من الترشح، دعوته لحظر الأسلحة نصف الآلية. لكن الحديث عن الانتقام من الأعداء يثير مخاوف بشأن استقلالية المدعين العامين، وهو أمر قلبه ترامب رأساً على عقب في ولايته الأولى. ومن المؤكد أن شيطنة مكتب التحقيقات الفيدرالي كانت لها عواقب مأساوية، كما أشار المدعي العام «ميريك جارلاند».

وأخيراً، يتعين إجراء فحص مكثف لجهاز الخدمة السرية الذي يخضع الآن للتدقيق «بسبب حدوث أسوأ خرق أمني منذ محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريجان عام 1981. وهو يواجه ضغوطاً لتحديد ما إذا كان قد فشل في تخصيص موارد كافية لحماية رئيس سابق أصبح مرشحاً رئاسياً مفترضاً»، حسبما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

ومن الأسئلة التي يسعى مسؤولو الوكالة للإجابة عليها، وفقاً لمسؤول كبير، ما إذا كانت الوكالة قد عانت من انهيار خطير في الاتصالات مع الشرطة المحلية في بتلر (بنسلفانيا) التي تم تكليفها بتأمين المحيط الخارجي، حيث تمركز المسلح على سطح مبنى مجاور. وكما وثقت كارول دي ليونيج، فإن تاريخاً طويلاً من الأخطاء ابتليت به الخدمة السرية.

وبعد كل حادثة، تتلاشى تغطية وسائل الإعلام. وباختصار، يجب أن يوفر هذا الحادث المروع الفرصةَ لإعادة ضبط وسائل الإعلام. ضع جانباً التكهنات غير المفيدة والمهووسة حول كيفية تأثير إطلاق النار على الانتخابات. وبدلاً من ذلك، ركزوا بقوة متجددة على الأسلحة، والمسؤولية عن العنف السياسي، والخطط السياسية لكل من المرشحين والحالة المؤسفة لجهازنا السري. لقد حان الوقت لوسائل الإعلام لرفع مستوى أدائها ومواجهة لحظة الأزمة الشديدة في ديمقراطيتنا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»