تنفّس الكثير من الفرنسيين الصعداء عندما علموا بنتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في 7 يوليو. فقد أظهرت النتائج أنه لن تكون هناك حكومة حزب «التجمع الوطني»، التي يرغب فيها ثلث الشعب الفرنسي ولكن الباقين يرفضونها بشدة. وعلاوة على الجوانب السياسية، كان هناك سبب آخر للارتياح.
ذلك أنه لن تكون هناك حكومة يمين متشدد في السلطة حينما تستقبل فرنسا العالم في دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 في 26 يوليو. والأكيد أنه من هذه الناحية يمكن القول، إن كل شيء جاهز للمنافسات -- من حيث البنية التحتية والتدابير الأمنية وحفل الافتتاح. كما أنه من الناحية المؤسسية، تظل أهم شخصيتين هما رئيس الجمهورية وعمدة باريس. وفضلاً عن ذلك، فإن اللجنة المنظمة، التي يرأسها توني إستانجي، الحائز على ثلاث ميداليات ذهبية، مستقلة تماماً عن الحكومة.
غير أنه كان سيبدو غريباً للكثيرين، سواء في فرنسا أو خارجها، أنه في الوقت الذي تحتفل فيه الألعاب الأولمبية بالعالمية وتؤلف بين الناس، هناك حزب في السلطة يحارب الهجرة ويريد مهاجمة وضع ازدواجية الجنسية لـ3.5 مليون فرنسي. الفرنسيون، سياسيون ومواطنون على حد سواء، ينتظرون هذه اللحظة منذ وقت طويل، ذلك أن باريس اختيرت لاستضافة الألعاب في 2017 بعد 3 محاولات فاشلة ضد برشلونة وبكين ولندن. وعلاوة على ذلك، كان هناك بعض التردد قبل الشروع في تقديم ترشح جديد، بعد نجاح لندن في الظفر بشرف استضافة ألعاب 2012.
ولكن الحركة الرياضية بدأت في العمل وأقنعت عمدة باريس المترددة جداً، في حين كان رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند ثم خلفه إيمانويل ماكرون من أشد المؤيدين للملف. المشروع خُطط له من قبل القائمين عليه وصُمم بحيث تكون كلفته محددة ومتحكما فيها (7 مليارات يورو). ونظراً لأن معظم البنية التحتية موجودة أصلاً، فإنه كان ينبغي فقط إنشاء قرية أولمبية سيتم تحويلها إلى شقق سكنية بعد انتهاء الألعاب، ومسبح أولمبي، وكل ذلك في مقاطعة سين سان دوني التي تفتقر إلى المساكن والمرافق الرياضية. والجدير بالذكر هنا أن أحد الأهداف فيما يتعلق بإرث هذه الألعاب هو ترك بنية تحتية في هذه المقاطعة، التي تُعد أفقر مقاطعة في منطقة «إيل دو فرانس».
كما سيتم استخدام المعالم الأثرية الأكثر شهرة في باريس – مثل القصر الكبير وبرج إيفل وساحة الكونكورد وقصر فرساي -- لتنظيم بعض الفعاليات. هذا ويراهن المنظمون على إقامة حفل افتتاح كبير خارج الملعب في حدث غير مسبوق تمرّ خلاله الوفود الرياضية الواحد تلو الآخر في استعراض على نهر السين، والهدف جعل الحدث مبهراً من أجل الترويج للعاصمة وتعزيز جاذبيتها السياحية. وفيما يتعلق بإرث هذه الدورة، هناك تحدٍ آخر يتمثل في جعل فرنسا أمّة رياضية.
ولهذا الغرض، أُعلنت الرياضة قضية وطنية رئيسية لعام 2024، وذلك من أجل إظهار أنه بالإضافة إلى الأداء، ينبغي أن يكون هناك اهتمام بالرياضة بشكل يومي من أجل فوائدها، سواء من حيث تحسين العلاقات الاجتماعية أو الصحة العامة. والغاية هي أن يتمكن الجميع من ممارسة التمارين الرياضية لمدة 30 دقيقة يومياً، وخاصة في المدرسة. الواقع أن المجتمع الفرنسي ممزق. فقد شهدنا مؤخراً صعود المتشدد الذي أصبح قوة سياسية بنيوية. والألعاب الأولمبية يجب أن تعيد الابتسامة إلى وجه فرنسا، ولكن يجب أن تمنحها أيضاً الشعور بأنها أمّة تعرف كيف تتّحد من أجل هدف مشترك: استقبال العالم ودعم رياضييها.
ولكن، هل ستكون هناك فترة هدنة أولمبية، كما تقضي بذلك تقاليد اليونان القديمة؟ الحقيقة أنه يجب أن نكون واقعيين. فإذا كان هناك وقف لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا أو في غزة، فإن ذلك سيكون خدمةً للأهداف الاستراتيجية لأطراف النزاع وليس احتراماً للميثاق الأولمبي، وخاصة أن روسيا على خلاف علني مع اللجنة الأولمبية الدولية بسبب استبعادها كدولة بعد الحرب في أوكرانيا.
فالرياضيون الروس يمكنهم المشاركة بصفتهم الفردية فقط، شريطة ألا يكونوا قد عبّروا عن تأييدهم للحرب، وهو ما يقلّل بشكل كبير من عدد الروس، الذين لن يتمكنوا أصلا من المشاركة في حفل الافتتاح.
فلاديمير بوتين يحاول تنظيم ألعاب مضادة، ولكن لا شيء يمكن أن يضاهي مستوى الألعاب الأولمبية ومنزلتها. البعض دعا إلى استبعاد إسرائيل أيضاً، على غرار ما يحدث لروسيا. ولكن الغربيين، الذين كانوا نشطين جدا في استبعاد روسيا، لم تكن لديهم التعبئة نفسها ضد إسرائيل، كما أن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، الألماني، يوفّر عنصر حماية إضافياً للدولة العبرية.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس