تحاول مصر استعادة موقعها في نادي الدول المصدرة للغاز، بزيادة إنتاجها الذي تراجع إلى 4.8 مليار قدم مكعب يومياً، مما تسبب لها في عجز عن تلبية حاجات استهلاكها، لا سيما في قطاعي الكهرباء والزراعة، واضطرت للجوء إلى الاستيراد. وقد أعلنت القاهرة بالفعل عن ترسية عطاء لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال بعلاوة تتراوح بين 1.6 و1.9 دولار عن السعر القياسي لمنصة تجارة الغاز الهولندية. وذلك في إطار حاجة مصر لاستيراد كميات قدّر قيمتَها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بنحو 1.18 مليار دولار، للتخفيف من انقطاع التيار الكهربائي، والذي تزايد بسبب موجات الحر المتتالية. وكانت مصر من الدول المصدرة على مدى خمس سنوات سابقة، حتى أن صادراتها من الغاز في عام 2022 بلغت قيمتها نحو 8.4 مليار دولار، بزيادة نسبتها 140 في المئة مقارنة بعام 2021، وبمعدل 600 مليون دولار شهرياً.
ولم تكتف بذلك، بل كانت تستهدف تحقيق صادرات بنحو مليار دولار شهرياً في عام 2023، لكن انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية حال دون الوصول إلى هدفها. حتى أنها اضطرت، على خلفية تراجع الإنتاج المحلي، إلى زيادة وارداتها من الغاز الإسرائيلي بنسبة 21.5 في المئة، على أساس سنوي إلى 903 ملايين قدم مكعب يومياً خلال صيف العام الماضي. وبما أن «الفجوة الدولارية» وتراكم الديون كانا من أهم أسباب تراجع الإنتاج، فقد دفعت مصر في مارس الماضي -في إطار محاولة استعادة موقعها في صفوف الدول المصدِّرة - نحو 1.5 مليار دولار من المستحقات المتأخرة للشركات. ثم دفعت مبلغاً مماثلاً في نهاية يونيو الماضي. وأكدت «العمل على الانتهاء من سداد أكبر قدر ممكن قبل نهاية العام الحالي».
وفي الوقت نفسه تركز الحكومة على زيادة استثماراتها في القطاع، بحفر 45 بئراً بكلفة 1.9 مليار دولا، وقد أنجز منها حفر 10 آبار، وستستمر الشركات الأجنبية في حفر 35 بئراً. وإضافة لذلك قررت شركة «إيني» الإيطالية، مع شركائها، توسيعَ استثماراتها في مصر بإضافة 7.7 مليار دولار، وتقوم شركة «بريتش بتروليوم» البريطانية بحفر 4 آبار استكشافية جديدة، وأبلغت الحكومةَ المصرية اعتزامها استثمار 3.5 مليار دولار، خصوصاً بعد تدفق استثمارات الشركات العالمية نتيجةَ ثقتها في مناخ الاستثمار في الاقتصاد المصري بصفة عامة، وقطاع النفط والغاز بصفة خاصة. مع العلم أنه بعد توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجي بين مصر والمفوضية الأوروبية سيتم توقيع صفقات استثمار للشركات الأوروبية، تتجاوز قيمتها 40 مليار يورو (42.85 مليار دولار). وهذا علماً بأن صندوق مصر السيادي وقّع أربع اتفاقيات بتكلفة استثمارية تصل 33 مليار دولار.
وهكذا، تستثمر مصر فائضَ «السيولة الدولارية» التي تكونت لديها نتيجة تدفق الاستثمارات الخليجية، وأهمها صفقة مشروع «رأس الحكمة» الإماراتية البالغ قيمتها 35 مليار دولار.
ورجّح صندوق النقد الدولي أن تصل تدفقات النقد الأجنبي خلال العام المالي الذي انتهى بنهاية يونيو الماضي إلى نحو 107 مليارات دولار. وقد تمكنت مصر خلال النصف الأول من العام الحالي من تسديد نحو 25 مليار دولار من دَينها العام المحلي والخارجي، وذلك من أصل 36.35 مليار دولار مستحقة الدفع خلال العام الحالي.
ووفق البنك المركزي تتضمن التقديرات الأخيرة سداد فوائد بقيمة 7.51 مليار دولار، وأقساط ديون بقيمة 28.84 مليار دولار. لكن مع تراجع قيمة الدين العام، يتوقع انخفاض قيمة الفوائد والأقساط المستحقة في العام المقبل إلى 20.38 مليار دولار.