في صيف كل عام تشتد حرارة الجو في العالم، وبالخصوص في منطقة الخليج العربي، حيث تتجاوز الحرارة في ذروة النهار 50 درجة مئوية في بعض أنحاء المنطقة، وخاصة البصرة والكويت وحفر الباطن بالسعودية.. مسجلةً في بعض الأحيان أعلى مستوى لحرارة الجو في العالم.

وفي هذا الموسم تبدأ السلطات المعنية بتوجيه الإرشادات والتحذيرات من خطورة التعرض لارتفاع درجات الحرارة وضربات الشمس المُضرة، فيما تكثر التعليقات والمنشورات في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، حول أهمية الكهرباء وحاجة الإنسان إلى أجهزة التبريد، ومَن اخترعها، وما أول دولة عربية وصلتها الكهرباء.. كما تكثر النُّكت والرسومات الكاريكاتيرية الساخرة حول ارتفاع الحرارة وحيَّل بعض الأشخاص في سبيل عدم التعرض لها.

وقد ذكرت قناة «بي بي سي» في تقرير لها حول الموضوع آنف الذكر، بأن أول بطارية كهربائية في التاريخ عرفها العالم كانت عراقية، وقد وُجدت في بغداد، وهي تعتبر من أكثر الأسرار العجيبة في حضارة العراق القديم، حيثُ عجز العلماء عن إيجاد تفسير مقنع لها حتى الآن. إنها جرة بغداد التي يتجاوز عمرها 3000 عام، وهي ذات تصميم يشبه التصميم البدائي للبطارية الكهربائية.

بعد فترة من اكتشافها قامت مختبرات شركة جنرال إلكتريك في بيتسفيلد بالولايات المتحدة بإجراء تجربة على نموذج لبطارية بغداد، وتمكنوا من توليد كهرباء بقوة 0.5 فولت. وبعد فترة أجرى عالم ألماني تجربة أخرى على نسخة طبق الأصل لجرة بغداد، وملأها بعصير العنب الطازج، وتمكن من توليد 0.87 فولت، وهي قوة كهربائية كافية لطلاء تمثال من الفضة بالذهب. بعد تلك التجارب وصل العلماء إلى 5 فرضيات مختلفة: الفرضية الأولى تتحدث عن مخلوقات فضائية، والفرضية الثانية ترجح كون الكهرباء كانت موجودة في العراق القديم، والفرضية الثالثة ترى أن جرّة الفخار البغدادية كانت مخصصة لحفظ لفائف ورق البردي، والفرضية الرابعة خلاصتها أن الجرة (البطارية) كانت تُستخدم كوسيلة للعلاج بالإبر (لاسيما أنه عُثر على إبر قرب مكان اكتشافها)، وأخيراً تتحدث الفرضية الخامسة عن أن بطارية بغداد صُنعت خصيصاً لأجل ممارسة طقوس سحرية، وأن الكهنة ربما خبّأوها داخل تماثيلهم للترويج للآلهة وللإقناع بقوتها السحرية من خلال الدفء أو الوخز الخفيف اللذين يشعر بهما الأشخاص أثناء لمسها. وما يزال سر البطارية العراقية مجهولاً إلى وقتنا الحالي، هذه البطارية كانت محفوظة بالمتحف العراقي في بغداد، بالإضافة إلى عدة جرار فخارية مشابهة لم يستطع أحد معرفة لأي غرض كانت تستخدم!

ولما قرأت هذا التقرير، توجهت بالسؤال إلى المهندس سحبان فيصل محجوب، وزير الكهرباء السابق في عهد صدام حسين إلى وقت الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وقال لي: خلال أحد الاجتماعات في بغداد، دار بيني وبين الرئيس صدام حسين حديث مطول حول هذه الجرة وأسرارها، وطلب مني دراسةً مستفيضة كاملة حولها. ويضيف محجوب: لكن للأسف هذه الجرة سُرقت من ضمن ما سرق من المتحف العراقي من كنوز أثرية لا تقدر بثمن، أثناء احتلال بغداد عام 2003.. حدث ذلك من قبل الدول الكبرى التي تدعي أنها تحمى الأمم والشعوب من الخراب والدمار والفوضى، ولكن حتى «جرة الكاهنة» لم تسلم، فقد راحت هي أيضاً ضحية «فرية أسلحة الدمار الشامل»، وما زلنا كعراقيين من دون كهرباء ولا ماء ولا جرة..! انتهى حديث وزير الكهرباء العراقي السابق الذي هو الآن يتنقل بين دول العالم، يبحث عن وطن وعن ماء وعن كهرباء!

*كاتب سعودي