لطالما كانت الطفرة التقنية أداة لتحسين جودة الحياة، وتوفير الوقت والجهد بهدف استثمارهما في كل ما هو مفيد للفرد والبشرية جمعاء.

وتفتح تقنيات الذكاء الاصطناعي الباب واسعاً في القطاعات كافة -ومنها الإعلام- لإطلاق طاقات إبداعية كبرى، وتجديد وسائل الإنتاج، وتطوير الخدمات الإخبارية، وتقديم محتوىً أكثر تلبيةً لاحتياجات الناس والجمهور. وإذا كان بيل جيتس كتب مقالاً في عام 1996 بعنوان «المحتوى هو المَلِك»، مؤكداً فيه الأهمية القصوى للمحتوى في العصر الرقمي، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي، في عام 2024، يمنح الإعلاميين فرصاً كبيرةً للاستفادة من أدوات تُتيحها تطبيقاته، خاصة في إنتاج محتوى مكتنز ببيانات دقيقة تواكِب آخر المستجدات في مدَّة قصيرة، ما يجعل المحتوى ثريّاً وقادراً على تقديم منتجات تُشبِع نهَم الجمهور إلى المعرفة، وتُعزز ارتباطه بالمنصة الإعلامية، ذلك أن الذكاء الاصطناعي أصبح الآن قادراً على إنشاء محتوىً بتقنيات توليد اللغة الطبيعية، واختيار الصور، وإنتاجها، فضلاً عن تأليف المقاطع الموسيقية.

ويتيح توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، والإبداع البشري، معاً إنتاج محتوىً إعلامي دقيق وعميق أيضاً، وتعزيز مصداقية المؤسسة الإعلامية بتمكينها من استبعاد «الأخبار المزيفة»، وتفعيل قدرة الإعلاميين على التحقق من مصدر الخبر، وضمان دقته. ومن أبرز النماذج التطبيقية في هذا المجال، نجاح شركة «جوجل»، عام 2017، في تحديث خوارزمية بحث لمنع انتشار الأخبار المزيفة، والحد من خطاب الكراهية، وتطوير جامعة متشيجان تطبيقاً لاكتشاف القصص الإخبارية المزيفة. وتُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، في وسائل الإعلام الآن، على نحو مطرد بصفتها أداةً لتخفيف المهام الشاقة والروتينية التي تستهلك وقتاً طويلاً من الصحفيين، كما أنها تتيح لهم المزيد من الوقت للعمل بكفاءة أكبر، ولا سيَّما على صعيد التواصل الميداني مع الجمهور، ومصادر الأخبار، وقراءة المشهد الاجتماعي بعمق.

وقد بدأ الذكاء الاصطناعي أخيراً بأتمتة المهام الإعلامية، والآن يوجد «مذيع آلي»، و«مقدم برامج آلي» قادر على مخاطبة الجمهور بكل لغات العالم، وبأي لهجة، كما يمكن إنتاج مقالات بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي من دون أي تدخل بشري، ما يعني أيضاً تمكين الإعلاميين من التركيز على المهام ذات المستوى الأهم، وتطوير المحتوى الإبداعي، والتفكير في منتجات جديدة تواكب الطفرة التقنية المتسارعة، وفي الوقت نفسه تلبي احتياجات الأجيال الصاعدة. وكذلك استطاع الذكاء الاصطناعي تعزيز القدرات التسويقية لدى المؤسسات الإعلامية عن طريق تجميع أفضل المَشاهد لمسلسلٍ ما يُبَث في موسم درامي معين، أو ترويج منصة رقمية، أو مطبوعة، أو برنامج إذاعي، أو تلفزيوني ما، باختيار أفضل المقاطع وأكثرها جودةً، ومن ثَم تقديم محتوًى إعلاني ترويجي متميز بسرعة فائقة، ويحظى في الوقت نفسه بجاذبية لدى الجمهور. ولا شك في أن تطوير الخدمات الإعلامية يتطلب رصد التغذية الراجعة (Feedback) من الجمهور، وهذا ما تبرع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر تحليل بيانات الجمهور، والتنبؤ بتفضيلاته، وتمكين المؤسسات الإعلامية من إنشاء محتوًى يناسبه.

وتتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي تحليل نشاط الوسائط الاجتماعية، أو منصات «السوشيال ميديا»، وتحديد الموضوعات، أو الكلمات، الرئيسية الشائعة الممكن دمجها في المحتوى، لزيادة عدد المشاهدات، ومضاعفة عدد مَن يشاركون في القصص الإخبارية.

وبالمثل يمنح الذكاء الاصطناعي منشئي المحتوى القدرة على فَهْم مشاعر الجمهور المستهدف وآرائه، ما يسمح بإنتاج محتوًى مناسب يحظى بتفاعل كبير. إذن أصبح لدى المؤسسات الإعلامية -الآن- مهمة مزدوجة تكمُن في الاستفادة القصوى من قدرات الذكاء الاصطناعي، وتعريف الجمهور بمستجداته، وأهميته في تحسين جودة الحياة، فضلاً عن السعي المتواصل إلى تقنينه وحوكمته لضمان عدم إساءة استخدامه.

*الرئيس التنفيذي لدائرة التسويق والاتصال، شبكة أبوظبي للإعلام