عندما تَعرِض لك حكمةٌ أو قصةٌ، وتَستخلص منها نموذجاً وصورةً جميلةً تعبِّر عن معنى عميق، فإنها تؤثِّر فيك وتنطبع في ذهنك.
ومثل هذه الصورة يتجلى فيما قاله باولو كويلو صاحب رواية «الخيميائي»، حيث قال الآتي في قصة قصيرة: كان الأبُ يحاول قراءةَ الجريدة، لكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته، وحين تعب الأبُ مِن ابنه قام بقطع جزء من الصحيفة كان يحتوي على خريطة العالم، ثم مزّقها إلى قِطع صغيرة وقدّمها لابنه طالباً منه إعادة تجميعها، ثم عاد لقراءة صحيفته، ظناً منه أن الطفل سيبقى مشغولاً بقيةَ اليوم، إلا أنه سرعان ما عاد إليه وقد أعاد ترتيبَ الخريطة، فتساءل الأب مذهولاً: هل كانت أمُّك تعلمك الجغرافيا؟ ردَّ الطفل قائلاً: لا، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما «أعدتُ بناء الإنسان، أعدتُ بناءَ العالم».. كانت عبارةً عفويةً، لكنها كانت جميلةً وذات معنى عميق. وبالنسبة لنا فهذا العالم هو الإمارات والإنسان إنسانها.
ووجه الشبه هنا في هذه القصة يتماهى مع رؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أعدَّ إنسانَ الإمارات وأعدَّ دولة الإمارات، وها هي روافد البناء تتدفق على يد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. كان الشيخ زايد أباً حنوناً ومعلِّماً ملهِماً، وقد علّم وألهم التوجهات الإنسانية لشعب الإمارات، فعمَّتْ مظاهرُها خريطةَ الدولة شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً، وفاضت إنسانيتُها إلى ربوع العالم كله، وها نحن نفخر بالعطاء الإماراتي السخي للإنسانية قاطبةً.. وبمظاهر هذه الإنسانية متمثِّلةً في قناتها الرسمية «هيئة الهلال الأحمر الإماراتي» بأنشطتها الواسعة محلياً وخارجياً.
وفي هذا السياق فقد أشاد مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في حالات الطوارئ، بالدور الإنساني الذي تقوم به دولة الإمارات في تقديم الدعم الإغاثي والإنساني في قطاع غزة، وبالجهود التي تبذلها لحل النزاعات وتلبية احتياجات مَن يعانون منها. وأوضح غريفيث في حوار خاص مع «الاتحاد»، أن الإمارات لديها قدرة فريدة على الوصول ومساعدة الناس في أماكن النزاعات بأي بقعة من العالم، وقال: «انطلاقاً من تجربتي في التعاون مع الإمارات، فإن لديها درايةً تامةً بالأمور وقدرةً عمليةً وإيجابية جداً على حل المشكلات.. وهي تقدّم المساعدات الإنسانية بشكل مذهل». وقد وقَّعت دولةُ الإمارات اتفاقيةً مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لتقديم 25 مليون دولار، مساعدات غذائية طارئة للشعب السوداني الشقيق المتضرر من الأزمة في بلاده، ويشمل ذلك اللاجئينَ والمجتمعاتِ المضِيفةَ والنازحين داخلياً والعائدين المتأثرين بالحرب.
كما واصلت دولةُ الإمارات جهودَها في تقديم المساعدات للأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، في إطار عملية «الفارس الشهم 3» الإنسانية التي أمر بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لدعم سكان القطاع. وواصل متطوعو عملية «الفارس الشهم 3» توزيع المياه الصالحة للشرب على الأسر الفلسطينية النازحة في مناطق مختلفة من مدينة خان يونس جنوبَ قطاع غزة، في خطوة إنسانية ضمن الحملة الإغاثية الكبرى التي تهدف إلى التخفيف من معاناة العائلات بالقطاع، في ظل الأوضاع الصعبة التي يمرون بها منذ عدة شهور. العطاء الإنساني مِن الإمارات عطاءٌ ينسجم مع روح الإنسانية التي يتمتع بها المجتمع الإماراتي، تعبيراً عن مبدأ الإيثار الذي هو أعلى درجات الأخلاق الإنسانيّة بامتياز.
*سفير سابق