أشاد المستشار الألماني أولاف شولتز مؤخراً بشكل مفرط وعلى نحو غير عادي بقيادة الرئيس جو بايدن. وقال في أعقاب اجتماع مجموعة السبع الذي وضع اللمسات الأخيرة على قرض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا مدعوماً بأصول روسية مجمدة.: «أعتقد أن جو بايدن شخص واضح للغاية، ويعرف بالضبط ما يفعله، وهو أحد أكثر السياسيين خبرة في العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الدولية». وأضاف أن بايدن «اتبع سياسة أدت إلى تنمية اقتصادية مناسبة في البلاد، وساعدت على ضمان أن السلام والأمن في أيد أمينة وأن الولايات المتحدة تلعب بالفعل دورها في العالم».
يتناقض مثل هذا الثناء من حليف حاسم مع الخطاب الساخر الذي يستخدمه «الجمهوريون». علاوة على ذلك، فهو يعكس الدرجة التي نجح بها بايدن في إصلاح التحالفات الأميركية المتوترة في عهد سلفه وتشكيل جبهة موحدة لدعم الديمقراطية والأمن الأوروبي. واعترفت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن مجموعة السبع «كانت مثالاً آخر على القيادة الأميركية للغرب بلا منازع، وخاصة في القضايا الخلافية المتعلقة بالحرب والسلام».
وقد أعطى تعليق «شولز» لمحة عن قلق الزعماء الأوروبيين بشأن احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب - الانعزالي بشكل معلَن والمشجع - إلى السلطة. وقال اللفتنانت كولونيل المتقاعد «ألكسندر فيندمان» لـ «ديفيد روثكوبف»، الذي يكتب لصحيفة نيو ريبابليك، إن «انتصار ترامب في عام 2024 سيؤدي بلا شك إلى نهاية الدعم الأميركي لأوكرانيا».
وأوضح أنه من دون دعم الولايات المتحدة، من المرجح أن تضطر أوكرانيا إلى التفاوض على التنازل عن أراضيها، مما يمنح روسيا نصراً ذا أهمية كبيرة. وعند هذه النقطة فإن عضوية جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ستصبح حبراً على ورق، وستخشى دول البلطيق على سلامة أراضيها. من جانبه، يتفهم بايدن ذعر الحلفاء جيداً. ففي رحلاته في يوم إنزال قوات الحلفاء في نورماندي، أكد صراحة أن حلف شمال الأطلسي لابد وأن يقاوم العدوان حتى يتمكن من الحفاظ على ثقته في أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحرير أوروبا قبل ثمانين عاماً.
وذكرت شبكة (سي. إن. إن): «لا يوجد شيء جديد في قيام رئيس أميركي معاصر بالسفر إلى أوروبا لاستحضار التاريخ المشترك للانتصار على الطغيان. لكن لم يفعل أي قائد أعلى آخر ذلك بعد أن حاول سلفه تدمير الديمقراطية للبقاء في منصبه». وظل الخوف من «العودة إلى الفوضى التي ألحقها ترامب بالحلفاء الأوروبيين»، واضحاً طوال الزيارة وبعدها. الخطر الذي يشكله ترامب على الغرب يجعل خضوع «الجمهوريين» الصقور لترامب أكثر إثارة للحنق.
لقد أعرب زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» (جمهوري - كنتاكي) عن سعادته بتحقيق النصر بمجرد إقرار مشروع قانون مساعدات أوكرانيا في وقت متأخر. وقال لصحيفة «نيويورك تايمز»: «من الواضح أن هذه كانت مشكلة تتعلق بالجمهوريين. … في معظم هذه الفترة، كنت أشعر وكأنني الجمهوري الوحيد المتبقي من حقبة ريجان». وفي ضوء اهتمامه المعلن بأوكرانيا، فإن مجاملته عبر احتضان ترامب أمر مذهل. فما الذي يعتقد أنه سيحدث على وجه التحديد إذا تم انتخاب ترامب، الذي يدعمه الآن، مرة أخرى؟ إن «المشكلة الجمهورية» قائمة لأن «الجمهوريين» اصطفوا بإخلاص خلف ترامب الذي تثير عودته رعب حلفاءنا «الديمقراطيين».
وبدلاً من الوقوف في وجه ترامب، كما فعلت «ليز تشيني» (جمهورية -وايومنج) وآخرون، فإن ماكونيل وبعض «الصقور» من «الجمهوريين» سيحصلون على الفضل في إنقاذ أوكرانيا في حين يدعمون المرشح الذي سيوقع بالتأكيد على سيناريو معاكس. علاوة على ذلك، فإن أي مساوئ قد تصيب أوروبا في ولاية ترامب الثانية لن تقتصر على أوروبا. حذر ثلاثة مؤلفين من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية من أن «إدارة ترامب ستتحدى صناع القرار الأوروبيين عبر مجموعة من القضايا: من الصين إلى التجارة، ومن المناخ إلى الشرق الأوسط». والأسوأ من ذلك أن كابوساً آخر يكمن تحت صدمات السياسة الخارجية المحتملة: مثل ظهور تحالف دولي كإطار للشعبويين في أوروبا لإقامة علاقات خاصة مع واشنطن في عهد ترامب. وأضافوا أن «إعادة انتخاب ترامب قد تشجع اليمين الشعبوي في أوروبا على عرقلة سياسات ومبادرات الاتحاد الأوروبي المشتركة بقوة أكبر».
يكاد يكون من المؤكد أن ضعف الحلفاء الغربيين بشأن أوكرانيا سيتم تفسيره على أنه ضوء أخضر لروسيا لمضاعفة نجاحاتها في الشرق الأوسط، مع زيادة الدعم لإيران وسوريا. ويجب على هؤلاء «الجمهوريين» الذين يزعمون أنهم يدعمون إسرائيل أن يفهموا أن الشراكة بين بوتين وترامب من شأنها أن تشجع أعداء إسرائيل والجماعات المدعومة من إيران. وليس من المستغرب أن تبدو الدعاية التي تطلقها وسائل الإعلام الروسية مشابهة إلى حد كبير لما يأتي من ترامب وشعارات «لنجعل أميركا عظيمة أخرى» (أو ماجا) الذي يتم الترويج له في وسائل الإعلام. إن روسيا وحملة ترامب لديهما هدف مشترك يتمثل في منع إعادة انتخاب بايدن. وآخر شيء يريده الروس هو أربع سنوات أخرى من الحفاظ على التضامن في أوروبا، وتأكيد الهيمنة الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية. وينبغي تحذير الناخبين الأميركيين مسبقاً. فمن غير الممكن أنهم يؤيدون «الاستثناء» الأميركي وترامب، ولا يمكنهم أن يحتفلوا بوضعنا كقوة عظمى ثم يهتفوا للمرشح الذي قد يقوض هذه المكانة.
*كاتبة أميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»