يمثل التفوق التراكمي لاقتصادنا الوطني محصلة إجمالية للنجاحات التي حققها أداؤه المحلي وعلاقاته المزدهرة باستمرار مع كثير من دول العالم، وبخاصة القوى الاقتصادية الكبرى في عالم اليوم، وبينما كان النجاح المحلي ينعكس في النمو السريع لمؤشرات التنويع الاقتصادي، مع تطور الصناعات التحويلية، فإن نجاحنا الاقتصادي على الصعيد الدولي كان عنوانه تحقيق تجارتنا الدولية مستويات قياسية من حيث القيمة والانتشار.

وبشكل أكثر تفصيلاً، فإنه وخلال السنوات العشر الماضية، تجلى تفوق الاقتصاد الوطني في تحسُّن مطَّرد في مؤشرات التنويع الاقتصادي، في ظل نمو القيمة المضافة للتصنيع بمعدل سنوي متوسطه 6.8%، لتدور حول نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتوازي مع هذا النجاح التصنيعي نمت تجارتنا الخارجية، تصديراً واستيراداً، بمعدلات قياسية، وحققت التجارة غير النفطية وحدها نمواً سنوياً مركباً بنسبة 5.2%، لتصل إلى نحو 18 تريليون درهم خلال العقد الماضي.

ولا شك في أن النجاح الذي تحقق في رفع قدرات الاقتصاد الوطني بتنويع مصادر الدخل يرتبط بشدة بالنمو الكمي والانتشار الجغرافي الذي حققته تجارته الخارجية، وهما يمثلان معاً شهادةً واقعيةً على نجاح استراتيجيات التنمية «نحن الإمارات 2031» و«مئوية الإمارات 2071» التي رعتها القيادة الرشيدة.

ولذا فمن الصحيح القول إن الروابط بين التنويع الاقتصادي والتجارة الخارجية تقدم أهم دعائم تفوقنا الاقتصادي وأهم الدلائل على كفاءة السياسات الاقتصادية التي طُبِّقت خلال السنوات العشر الماضية.

ويُمْكن، من خلال القراءة المتأنية لاستراتيجيات دولة الإمارات للتفوق التنموي، الوقوفُ على عوامل عدة أسهمت بقوة في نجاح هذا النموذج الاقتصادي في التنويع والتجارة الخارجية، وأول هذه العوامل أن الاستراتيجيات الاقتصادية والبرامج والسياسات المنبثقة منها ركزت على الاستفادة القصوى من أهمية موقع الاقتصاد الإماراتي فيما يخص سلاسل القيمة العالمية وخرائط التجارة الدولية، بوصفه الالتقاء الرئيسية بين الشرق والغرب، حيث إن ذلك الأمر قد أفاد في تعزيز قدرات التصنيع ودعم أنشطة تجارة التصدير وإعادة التصدير من آسيا إلى أوروبا وأفريقيا.

ولقد أسهم التوظيف المثالي لعناصر الإنتاج الوفيرة بالاقتصاد الوطني، وخاصةً مع تنافسية تكاليف التمويل، في تطوير قدراتنا اللوجستية ووصولها للعالمية، ما يُعدُّ العامل الثاني في ازدهار التنويع والتجارة الخارجية، فالإنتاج الإماراتي أصبح قادراً على الوصول للأسواق الدولية في ظل الخبرات الوطنية الواسعة في الشحن والنقل البحري، وفي ظل امتلاك دولة الإمارات كبرى شركات إدارة الموانئ العالمية. وبينما حلت دولة الإمارات في المرتبة العاشرة في مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2024، فإن البناء على هذه القوة الناعمة كان من أهم دعائم نجاح نموذج التنويع الاقتصادي والتجارة الخارجية.

فمن خلال توطيد الشراكات الوطنية الموثوقة مع اللاعبين الدوليين، ومن خلال دعم قواعد المنافسة العادلة دولياً، ومن خلال الوصول الآمن للموارد الطبيعية، استطاعت التجارة غير النفطية لدولة الإمارات أن تغزو العالم، وتمكنت الصناعة الإماراتية من تأمين مدخلات الإنتاج، وأصبح السوق الوطني مقصداً لأعمال كبرى الشركات الدولية خلال العقد الماضي.

وبالمثل، أسهمت الاستراتيجيات التي تطبقها دولة الإمارات في تحقيق الاستهداف الدقيق للأسواق الدولية وفي تعزيز الانتشار الذكي للصادرات غير النفطية عالمياً، وخاصةً للأسواق الواعدة في إقليم أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وقد شكلت الشراكات الاقتصادية الشاملة التي وقّعتها الدولة مع العديد من الدول الأفريقية محفزاً رئيسياً لتجارتها مع أفريقيا، كما شكلت داعماً رئيسياً لاستراتيجيات تنويع مصادر الدخل الوطني. وبالإضافة للعوامل السابقة التي أسهمت بشكل جوهري في تعزيز ازدهارنا الاقتصادي، فإن توطين المعرفة والتكنولوجيا في أنشطة الإنتاج المحلية، والاتصال الفعال مع أسواق ومستثمري العالم، والتعلم المستمر من التجارب والخبرات المتراكمة، إلى جانب الحرص الشديد على البيئة، كل ذلك رسّخ دعائمَ النمو والتفوق الاقتصادي، لتقدم دولة الإمارات نفسها نموذجاً فريداً يضمن النمو المستدام في التنويع والتجارة الخارجية في العقد المقبل.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.