معظم النقاش الدائر حالياً في وسائل الإعلام حول رهانات الانتخابات يتعلق بما سيفعله دونالد ترامب حال فوزه بالرئاسة مرة أخرى، غير أن تحولات سياسية كبيرة ستحدث أيضاً في حال حقق «الديمقراطيون» مكاسب في الكونجرس.
الاختلاف في الاهتمام أمرٌ يمكن تفهُّمُه. ذلك أن ترامب شخصية أقل قابلية للتنبؤ من الرئيس بايدن، كما أن العديد من خططه، إما سرية أو في شكل هلامي لم يتبلور بعد. وعلاوة على ذلك، فإن الجمهور يتابع التغييرات التي تحدث بخصوص مَن يشغل البيتَ الأبيض أكثر من متابعته للتغييرات التي تحدث في هوية رئيس مجلس النواب.
بيد أن هناك مجموعةً واسعةً من النتائج الانتخابية المحتملة التي يجب أخذها بعين الاعتبار. فمن أجل السيطرة على مجلس النواب، ما على «الديمقراطيين» سوى الفوز بكل الدوائر الانتخابية التي يتقدمون فيها حالياً في تصنيفات «تقرير كوك السياسي»، ثم 4 من المقاعد الـ11 التي يسيطر عليها «الجمهوريون». فالديمقراطيون في مجلس الشيوخ يستطيعون تحمّل خسارة مقعد في ولاية فرجينيا الغربية، والاحتفاظ مع ذلك بالأغلبية في الغرفة العليا، شريطةَ أن يحافظوا على مقاعدهم الأخرى، وأن تظل كامالا هاريس نائبة الرئيس لكسر التعادل. والواقع أن تحقيق ثلاثية ديمقراطية - أي الاحتفاظ بالبيت الأبيض ومجلس الشيوخ وانتزاع مجلس النواب - أمر مستبعد ولكنه يظل في نطاق الممكن.
غير أن هذه الثلاثية ستكون على يسار الثلاثية التي حققها الديمقراطيون في 2021-2022 بسبب رحيل اثنين من أهم المؤثّرين المعتدلين في تلك الأغلبية الحاكمة - وهم سيناتورة ولاية أريزونا (كرستن سينيما) وسيناتور ولاية ويست فرجينيا (جو مانشن). فهذان الأخيران دعما الكثير من الأولويات الديمقراطية، إذ صوّتا لصالح كل مرشحي بايدن القضائيين تقريباً، ولمشروع قانون الإنفاق على «خطة الإنقاذ الأميركية». لكن معارضة أحدهما أو كليهما منعت الديمقراطيين من رفع معدلات الضرائب على الشركات أو الأفراد، وأرغمت الديمقراطيين على تقليص الإنفاق الذي سعوا إليه في أجندتهم الخاصة بقانون «إعادة البناء بشكل أفضل». كما أحبط دعمُهما لأسلوب المماطلة والتعطيل في مجلس الشيوخ الجهودَ الديمقراطية الرامية لسنّ سياسات ليبرالية بخصوص قوانين الانتخابات، لكن كليهما سيغادران مجلس الشيوخ بدلاً من الترشح لإعادة الانتخاب هذا العام.
ورغم السيطرة على الفروع المنتخَبة للحكومة الفيدرالية، فإن الديمقراطيين في عام 2025 سيضطرون للاشتغال ضمن قيود سياسية. ذلك أنهم لن يكونوا قادرين على إقرار مشروع قانون «ميديكير للجميع»، أو 32 ساعة عمل في الأسبوع (من دون تخفيضات في الأجور!)، والذي يُعد أحدث الأفكار الخيالية للسيناتور بيرني ساندرز المستقل من ولاية فيرمونت. كما أنه من المستبعد ملء المحكمة العليا، نظراً لأن العديد من الديمقراطيين يعارضون ذلك أو يدركون حماقته السياسية.
غير أن الكثير من الانتصارات التقدمية ستكون في المتناول، إذ من شأن حالة الركود أن تساعد الديمقراطيين على نيل زيادات ضريبية كبيرة، لا سيما أن العديد من التخفيضات الضريبية التي وضعها ترامب والكونجرس الجمهوري في عام 2017 ستنتهي صلاحيتها في عام 2025. كما وقّع بايدن قانوناً لتوسيع الدعم المؤقت لخطط قانون «الرعاية الصحية الرخيصة»، ويستطيع تمديده أو حتى جعله دائماً.
وفضلاً عن ذلك، ربما ستكون لدى الديمقراطيين الأصوات اللازمة لإسقاط أسلوب المماطلة والتعطيل في مجلس الشيوخ، على الأقل بالنسبة للقضيتين الأساسيتين اللتين يقولون إنهما يجب أن تكونا بمنأى عنه، أي حقوق التصويت والإجهاض. وحينها، سيكون الديمقراطيون قادرين على جعل قانون الانتخابات تحت السلطة الفدرالية، الأمر الذي سيحدّ من قدرة الولايات على إلزام الناخبين بإظهار بطاقة هوية تحمل صورة فوتوغرافية. كما يدعم معظمُ الديمقراطيين مشروعَ قانون شاملاً حقوق الإجهاض من شأنه إلغاء قوانين الولايات المتعلقة بموافقة الوالدين، من بين أمور أخرى. وفي ظل وجود الأغلبية، وغياب أسلوب المماطلة والتعطيل، فإنهم يستطيعون تمريره. وفضلاً عن ذلك، فإن تمويل برنامج «ميدك إيد» الفدرالي للإجهاض، الذي لم يعد يعارضه بايدن، قد يحظى بما يكفي من الأصوات للمرور.
وفي الختام، قد يؤيد المرء معظم هذه السياسات أو يعارضها، مثلما أفعل أنا، لكنها في كلتا الحالتين، ستمثِّل تغييرات جوهرية في الحكومة الأميركية والمجتمع الأميركي، وقد نراها في مستقبل أقرب مما يظن معظم الناس.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»