في عام 2016، وعدَ دونالد ترامب ببناء جدار حدودي. أما هذا العام، فربما يجدر به أن يَعد بصنع آلة زمن من أجل العودة إلى الوراء، وإصلاح كل الأزمات العالمية التي يعتبر أنها ما كانت لتحدث لو لم يخسر الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
حسناً، لقد اختلقتُ ذلك الجزء المتعلق بآلة الزمن، لكني لا أمزح بشأن عادة ترامب في التشديد على أنه ما كان ليحدث أي شيء خاطئ في هذا العالم لو أنه ظل رئيساً للولايات المتحدة. فبعد هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر، مثلاً، قال ترامب لأنصاره: «لو لم تزوَّر الانتخابات، لما فكّر أحد في الدخول إلى إسرائيل». ومؤخراً، قال لمجلة «تايم»: «ما كان ذلك ليحدث أبداً. إنه لم يكن ليحصل.. فحماس لم تكن لديها أي أموال.. هل تعرف ذلك؟». كلا، لم أكن أعرف ذلك. ويبدو أن منطق ترامب هو أن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 2018 وفرض عقوبات أحادية الجانب ضد إيران أنهى تدفق الدعم المالي إلى «حماس». والحال أن تلك الخطوة التي أقدم عليها ترامب أدت إلى تسريع برنامج طهران النووي، لكن ليس هناك أدلة كافية على أنها أدت إلى تراجع ملموس في الدعم المقدم لبعض المنظمات في المنطقة. بل إن «حماس» كانت تطلق الصواريخ بانتظام على إسرائيل خلال رئاسة ترامب، بالتوازي مع مواصلتها بناء شبكة الأنفاق الواسعة التي يختبئ فيها مقاتلوها الآن مع رهائنهم.
والواقع أنه بادعائه أن الأزمات الأخيرة ما كانت لتحدث أبداً لو أنه ظل في السلطة، لا ينخرط ترامب في التفكير الرغائبي فحسب، بل أيضاً في إعادة كتابة التاريخ للادعاء بأن سياسته الخارجية كانت ناجحة جداً، وأن العديد من مشاكل العالَم اليوم إنما هي بسبب بايدن! وفي هذا السياق، قالت متحدثة باسم ترامب الأسبوع الماضي: «لقد حقق الرئيس ترامب سلاماً تاريخياً حول العالم، وردع أعداءَنا من خلال القيادة القوية، هذا في حين جلب ضعفُ جو بايدن الحربَ في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط».
الواقع أن ترامب فشل في وقف البرنامجين النوويين الإيراني والكوري الشمالي، أو حتى في إبطائهما، كما فشل في مواجهة ما تعتبره واشنطن تهديدات متزايدة من روسيا والصين. وفي غضون ذلك، استعدى حلفاء الولايات المتحدة بشكل لا مبرر له عبر إهانة قادة ديمقراطيين آخرين والتهديد بسحب القوات الأميركية من بلدانهم. وبالمقابل، كان ترامب أفضل بكثير في تمزيق الاتفاقات (الشراكة عبر المحيط الهادئ، الاتفاق النووي الإيراني، اتفاقية باريس للمناخ) من التفاوض على اتفاقات جديدة. كما أنه أولى الاهتمام الأكبر للأسلوب وقدّمه على الجوهر، وعلى سبيل المثال أعاد تسمية «اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية»، لكنه ترك محتواها كما هو عموماً.
ولا شك في أن بايدن محق تماماً حين يقول، كما فعل في مقابلة جديدة مع مجلة «تايم»، إن رئاسة ترامب كان لها «تأثير سلبي أدى إلى تقليص قدرتنا على إنجاز الأمور على الصعيد الدولي» عبر التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة كشريك موثوق به.
والأكيد أن سجل بايدن في استعادة مصداقية الولايات المتحدة سجل متباين (جزئياً لأن العالم كله يدرك أن ترامب يمكن أن يفوز مرة أخرى)، لكن بايدن كان محقاً في الترويج لإنجازاته في السياسة الخارجية في تلك المقابلة. وكما قال، فإن «حلف شمال الأطلسي بات أقوى بكثير مما كان عليه حينما توليتُ الرئاسةَ»، ليس فقط لأن الدول الأوروبية زادت من إنفاقها الدفاع، ولكن أيضاً لأن الحلف توسّع ليشمل كلا من فنلندا والسويد. وقد أبرزت زيارة بايدن إلى النورماندي في الذكرى الثمانين للإنزال الأسبوع الماضي الوحدةَ التي استعادها الحلفُ مؤخراً.
ثم إن بايدن محق أيضاً في القول بأنه «تمكّن من جمع 50 دولة معاً من أجل المساعدة في أوكرانيا»، وأنه عقد تحالفات مهمة في منطقة المحيط الهادئ مثل تحالف «أوكوس» (أستراليا - المملكة المتحدة - الولايات المتحدة)، و«الرباعي» (الولايات المتحدة - اليابان - أستراليا - الهند)، واتفاقية القواعد بين الولايات المتحدة والفلبين، والعلاقة الثلاثية بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، وقّع بايدن «قانون الرقائق والعلوم» الذي يهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية لأميركا في مجال التكنولوجيا الدقيقة، وتقليل اعتمادها على مورّدي أشباه الموصلات الأجانب.
ولكن هل يهم أي من ذلك؟ الحقيقة أن الناخبين لا يبدو أنهم يمنحون بايدن الكثيرَ من التقدير والإشادة لسجله الباهر في السياسة الخارجية، جزئياً لأن السياسة الخارجية قلّما ما تتصدر اهتمامات الناخبين، وجزئياً لأن الرئيس الحالي ليس في مستوى سلفه في ما يتعلق بالتفاخر والتباهي. ذلك أن ترامب يبرع في الترويج لإنجازات وهمية أكثر مما يبرع بايدن في الترويج لإنجازات حقيقية.
ولهذا، أخشى أن تثبت نسخةُ «ما كانت لتحدث» التي يستخدمها ترامب في التعليق على الأحداث الأخيرة نجاحَها في نهاية المطاف. ذلك أننا كلما ابتعدنا عن رئاسته ازداد احتمالُ أن ينسى الناخبون سجلَّه الفعلي من الاختلالات، والذي لم يتوقف عند حدودنا. ولهذا، من الضروري أن نتذكر ما حدث بالفعل - وليس ما يتوهمه ترامب - لتجنب ولاية ثانية قد تكون أكثر خطورة وتدميراً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»