تشير الإدانة الإعلامية الواسعة لمقال نشر في الصفحة الأولى لصحيفة «وول ستريت جورنال» حول «زلات» الرئيس بايدن إلى أننا قد نكون وصلنا إلى نقطة انعطاف صحفية. ولدعم أطروحته حول «زلات» بايدن، اعتمد المقال بشكل كامل تقريباً على آراء اثنين من «الجمهوريين» المتعصبين جداً هما: رئيس مجلس النواب الحالي مايك جونسون ورئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي. غير أن الرد السلبي في الغالب من قبل الصحفيين الآخرين على ما كان في الأساس ترويجاً لفكرة يمينية قد يحدّ من هذا النوع من المقالات والتقارير غير المسؤولة مع تقدم السنة الانتخابية.
والأكيد أن المشكلة أكبر من مجرد تأثر بسرديات تيار «الماغا» (تيار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» المناصر لدونالد ترامب)، أو فشل في إجراء فحص كاف للحالة العقلية والعاطفية للرئيس السابق ترامب.
لكن المقال الذي نشرته الصحيفة ينبغي أن يقودنا إلى نقاش أكبر بكثير: إلى أي مدى يؤثّر العمر على أداء الرئيس التنفيذي وبأي طريقة؟ وبصراحة، الأمر لا علاقة له بالعوامل التي يبدو أن منتقدي بايدن مهووسون بها (مثل الزلات اللفظية أو سرعة التحرك). والواقع أن الصحفيين السياسيين يميلون إلى الاهتمام كثيراً بتصريحات الساسة وردودهم، بالإضافة إلى تغطية الحملات الانتخابية وأخبار المتقدمين في استطلاعات الرأي والمتأخرين فيها وصور المرشحين الرئاسيين. ومن ثم فمن الطبيعي أن ينظروا إلى الرئيس، الذي يتفاعلون معه في المناظرات والمؤتمرات الصحفية والمقابلات، كشخص يقدّم أداءً إعلامياً. هل يخطئ في الكلام؟ هل يتعثر جسدياً؟ التركيز على مثل هذه المواضيع السطحية نسبياً أصبح السمة التي تطبع الصحافة السياسية.
لكن لنتوقف لحظة، فسير الرئيس وعاداته في الكلام وأخطاؤه الطفيفة في التذكر.. كل ذلك لا علاقة له عملياً بوظيفة الرئيس. ذلك أن ساكن البيت الأبيض ليس متسابقاً في برنامج «جيوباردي!» أو كوميدياً هزلياً أو مقدّم برنامج حواري.. بل هو رئيس السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ووظيفة الرئيس هي الإدارة التنفيذية، وهو شيء لا يمتلك المراسلون السياسيون أي خبرة فيه تقريباً. ولهذا يجدر بنا أن نسأل ما إن كان المرشح قادراً على فهم التفاصيل الضرورية، واتخاذ قرارات جيدة، والتوصل إلى استنتاجات سليمة، وتقييم المخاطر، واستحضار عواقب الإجراءات المتخذة.. وهل يستطيع الفصل بين مصالحه الشخصية ومصالح الأمة أو الحلفاء؟ فهذا ما يفعله الرئيس كل يوم.
والتحكم في الانفعالات وعدم الاندفاع جزء لا يتجزأ من عملية اتخاذ القرارات الجيدة. وإذا كان المرء لا يستطيع التحكم في نفسه والإحجام عن مهاجمة حلفائه بغضب، أو إفشاء أسرارهم لأعداء الولايات المتحدة، أو شنّ هجمات وتهديدات شخصية ضد مواطنيه الأميركيين (في تحد لأوامر المحكمة)، فإنه لا يمكن أن يُعهد إليه بالمسؤوليات الهائلة للرئاسة. 
وعلاوة على ذلك، فإننا نعلم كيف انتهت عملية صنع القرار لدى ترامب، فقد قلّل من شأن فيروس كورونا، فمات مئات آلاف الأميركيين لذلك السبب. واختلق «الكذبة الكبرى» بشأن انتخابات 2020، ولما لم يستطع الاعتراف بالخسارة، حرّض على أعمال شغب في مبنى الكابيتول. كما أنه لم يرغب في الكشف عن مغامرات محرجة، فخالف القانون في نيويورك 34 مرة!
والواقع أن المرء لا يحتاج إلى إجراء تشخيص طبي معيّن ليتأكد من أن الجوانب الأساسية للرئاسة، أي الحكم على الأمور وفهم القراءة وحسن التقدير وعملية اتخاذ القرارات غير الأنانية، وتقدير التضحيات العسكرية.. كلها عصية على فهم ترامب.
وعلى مستوى الأساسيات، يستطيع بايدن أن يميّز الصديق من العدو، ويجلّ الجيش، ويدرك قيمة التحالفات، ويعيّن مستشارين أكفاء، ويصوغ صفقات تشريعية معقدة، ويبدي تعاطفاً مع معاناة الآخرين.. رغم أنه أكبر سناً من ترامب بثلاث سنوات. كما أنه يلتزم بالعملية القانونية (ومثال ذلك جلوسه مع المحقق روبرت هور)، ويتّبع قرارات المحكمة العليا (ثم يبحث البدائل، كما فعل بخصوص ديون الطلبة)، وينخرط في دبلوماسية دولية ناجحة، ويتحدث عن السياسات بعمق.
ومن المنطقي أن يستنتج المرء أنه مع التقدم في العمر، اكتسب بايدن خبرةً كبيرةً جداً، ونسج علاقات، واستوعب معطيات تساعده في توجيه عملية صنع القرار الحالية. فهل يجب أن نكترث لكونه يمشي بشكل متصلب أكثر مما كان يفعل قبل 10 سنوات؟ (روزفلت مارس المهام الرئاسية لـ 12 عاماً وهو على كرسي متحرك).
وخلاصة القول هي أن مقياس الرئاسة، بغض النظر عن مستوى رشاقة صاحب المنصب أو فصاحته، هو القدرة على أداء وظيفة مهمة ومتفردة: أي اتخاذ قرارات جيدة وصائبة نيابة عن الآخرين، بما يتماشى مع قوانيننا وقيمنا الوطنية. ولهذا فأي شخص عاقل لا يمكن أن يخلص، استناداً إلى كل الأدلة المتاحة، إلى أن ترامب قادر على النهوض بها، وأي شخص منصف لا يمكن أن يخلص إلى أن عمر بايدن عائق يعيقه عن الاضطلاع بها.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»