إلى «دار المقامة» ومحل الكرامة، -بإذن الله تعالى-، غادرنا الأسبوع الماضي يوم الخميس 15 ذي القعدة 1445هجرية الموافق: 23 مايو 2024، الفريق حمد بن سهيل بن عويضة بن جابر الخييلي، وقد تشرفت بمعرفته عن قرب، وحضرت مجالسه، وجمعتني به مناسبات وطنية وثقافية وخيرية أكثر من مرة، كما كان، رحمه الله، صديقاً لوالدي، توطدتْ بينهما علاقة مودة واحترام وتقدير، وكان كلما التقيت به يسألني عن الوالد ويثني عليه خيراً، مما يدل على وفائه وطيب عنصره.
فكرت ملياً وأصابت الحيرة قلمي في ما يمكن أن أكتبه حول قامة وطنية محبوبة، ورجل يعرفه مجتمع دولة الإمارات، ويدرك ما قدمه لوطنه وقيادته، فرأيت أن أفضل شهادة معبِّرة عن مكانة هذا الرجل، هو ما قاله الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في نعيه، إذ قال: (الخال، والأخ الكبير، والصديق الوفي، المغفور له بإذن الله تعالى الفريق حمد بن سهيل بن عويضة بن جابر الخييلي.. رجلٌ بأمّة.. وقامةٌ وطنية استثنائية بإخلاصه وانتمائه.. غادرنا صاحب القلب الكبير، والأخلاق الحميدة، والأيادي البيضاء، إلى جوار ربه).
فلهذه المكانة الرفيعة التي نالها في القلوب، تألًّمتْ لفقده منطقة «زاخر»، ومدينة العين، وعموم دولة الإمارات، فقد كانت المساجد تعرفه، وتتلهف إليه ميادين الخير، بنظراته الحانية، ويده الكريمة، وابتسامته الهادئة، وشيبته المتلألئة، جعلها الله له نوراً يضيء له الطريق يوم القيامة.
رافق -رفع الله درجاته في عليين- الشيخ زايد، طيب الله ثراه، لما يقرب من نصف قرن، وعرف له الوطنُ حقه فأكرمه، نعاه ديوان الرئاسة، وأقيمت له جنازة مهيبة، ووفاءً لهذه الشخصية الفذة، حرص سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، على استقبال المعزين، والوقوف في صف أهل الفقيد، واعتبر نفسه بتواضعه فرداً من أسرته، وهو -حفظه الله تعالى- «أب للجميع»، مجَسِّداً بذلك تقدير الرعيل الأول، والبر بالوالد المؤسس، ففي الحديث النبوي: (إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْمَرْءِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) وهكذا دولة الإمارات، مكارم وقيم يرثها جيل عن جيل، تتنقل عبر الحقب والأزمان، تبقى مستدامة لا تموت، بل هي أرومة للحياة.
و«جيل اليوم» بحاجة إلى توثيق قيم، «الرعيل الأول» فهم المرآة التي تُبرز لنا منجزات هذا الوطن ونجاحاته، وهم الأيقونة التي تختزن التميز الإماراتي، والتمازج الفريد بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولا ينبغي للأجيال المقبلة أن تغيب عنها مثل هذه النماذج والقدوات الوطنية الكبرى.
الوالد «بوخليفة» -رحمه الله تعالى-، خلَّد الله ذكرَه بعد أن وفَّقه، فكان رمزاً لأعمال خيّرة كثيرة، فدوَّن اسمه في أرشيفها الذهبي، في الهيئات الخيرية، وصندوق الزكاة، والهلال الأحمر، ودور الأيتام، وفي لوحات المساجد والأوقاف، ساعد كثيراً من الشباب في تأسيس أسرهم، إنها مسيرة استثنائية من العطاء، وكانت عادته في العطاء الإخفاء.
«بوخليفة» -رحمه الله تعالى-، بذل حياته كلها لخدمة وطنه وقيادته، فكان قدوة في الولاء والإخلاص والثقة ونكران الذات، فنال محبة المجتمع، وحاز التقدير منهم، وأضحت كلمته مسموعة بينهم.
عديد من القصص والوقائع والحكايات تدل على مروءة الفقيد وشهامته وصلاحه، وزهده وورعه، وحكمته وتواضعه، ومن سماته معرفة معادن الناس وتقدير مراتبهم، وتشبثه بالأصول، ويُعرف عنه أنه ممن يُشيع الفرح ويُدخل السرور على الآخرين، فيُرضي الغضبان، ويواسي القلِق والحزين.
وقد أكرمه الله تعالى بذرية صالحة، فخلَّف رحمه الله تعالى أبناء بررة، رباهم أحسن تربية، ونالوا مكانة في المجتمع عالية، فكانوا خير خلف لخير سلف:
فإن غاب بدر فالنجوم طوالع … ثوابت لا يقضى لهنّ أفول
يغاث بها في ظلمة الليل حائر … ويسري عليها بالرفاق دليل
استحق -رحمه الله- من مجتمعه جميل الذكر والثناء، وصادق المحبة والدعاء، وعظيم الشكر والوفاء، وقد كان من دعائه الذي يواظب عليه رحمه الله: «اللهم لا تكلني إلى نفسي ولا لغيري» فانتقل إلى رحمة الله تعالى الواسعة -بإذن الله- راضياً مرضياً، فاللهم أكرم مثواه، واجعل الجنة مستقره ومأواه، وتجاوز عنه يا رب العالمين، واجبر مصابنا ومصاب أهله، وأدم على دولتنا وشعبنا السلم والسلام، والرخاء والازدهار.
*كاتب إماراتي