ارتدى عدد قليل نسبياً من الأوروبيين من الجيل زد (المواليد من منتصف التسعينيات إلى أواخرها، كبداية سنوات ميلاد لهذا الجيل وأوائل عام 2010)، ملابس مموهة (ملابس الجيش) أو تدربوا على القتال من أجل بلادهم. والأمر المثير للدهشة هو أن نسبة كبيرة من الناس في العديد من الأماكن يقولون إنهم سيفعلون ذلك.
لكن القول والفعل أمران مختلفان تماماً. إنه رهان آمن أنه في جميع أنحاء القارة، حيث لا يزال المجندون موجودين في عدد قليل من البلدان، فإن إحياء التجنيد الإجباري سيكون شائعاً تقريباً مثل استئناف عمليات الإغلاق الوبائية.
ويشكل هذا تحدياً متزايداً بالنسبة لأوروبا، حيث تم تقليص جيوش عصر الحرب الباردة القوية إلى نسخ مصغرة مما كانت عليه في السابق على درجة عالية من الاحتراف، ومسلحة بأحدث الأسلحة، ولكنها تعاني من نقص في العدد بشكل هزلي تقريباً. وفي فرنسا، التي تتباهى بواحدة من أقوى القوى، يشير المنتقدون إلى «جيش البونساي»، المجهز تجهيزاً جيداً للقيام بمهام متخصصة وقصيرة الأمد ولكنه غير قادر على تحمل صراع شديد الحدة لفترة طويلة.
والآن أصبحت تصفية الحسابات وشيكة، نتيجة للتهديد المتزايد من جانب روسيا. وفي البلدان التي قالت إنها تخلصت أخيراً من الخدمة العسكرية الإجبارية في العقود الأخيرة، أصبحت الدعوات للعودة إلى التجنيد الإجباري تتصاعد.
قال رئيس لاتفيا «إدجارس رينكيفيتش»: «لا أحد يريد القتال. لكن المشكلة هي أنه لا أحد يريد أن يتم غزوه أيضاً. ولا أحد يريد أن يرى ما يحدث في أوكرانيا يتكرر هنا».
أعادت لاتفيا، وهي دولة صغيرة متاخمة لروسيا، التجنيد هذا العام. وستعمل الدنمارك، التي تقوم بالفعل بتجنيد الرجال، على توسيع التجنيد ليشمل النساء، وتمديد مدة الخدمة، بدءاً من عام 2026.
ويجري الآن تحول واضح في ألمانيا، حيث أثار السياسي الأكثر شعبية، وزير الدفاع «بوريس بيستوريوس»، الحاجة إلى المجندين مراراً وتكراراً، وقال إنه كان «من الخطأ» أن تقوم برلين بإنهاء التجنيد في عام 2011.
ورفض المستشار أولاف شولتز الفكرة، ربما مدركاً أن معظم الشباب الألمان - على عكس معاصريهم في الدول الاسكندنافية وبريطانيا وفرنسا وبولندا وأماكن أخرى - يقولون لمستطلعي الرأي إنهم غير مهتمين بالقتال من أجل وطنهم.
ومع ذلك، صوت حزب المعارضة الرئيسي، «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» المحافظ، هذا الشهر لصالح إدراج العودة التدريجية للخدمة العسكرية الإلزامية في برنامجه. ونظراً لانخفاض شعبية ائتلاف شولتس الحاكم، فإن حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» في وضع يسمح له باستعادة السلطة في انتخابات العام المقبل.
وفي الوقت نفسه، كان الجيش الألماني يخسر جنوده حتى مع استمرار الحكومة في حملة تجنيد لزيادة صفوفه بنسبة 10%، إلى 203 آلاف جندي، بحلول عام 2031.
مما لا شك فيه أن إعادة معظم أنواع الخدمة العسكرية الإجبارية قد تكون محفوفة بالمخاطر السياسية، وربما الانتحار، في بعض البلدان. فالدول الغنية التي تتمتع بمعدلات بطالة منخفضة نسبياً تقدم للعديد من الشباب خيار الوظائف ذات الرواتب الأعلى والمزايا المريحة أكثر مما كانوا يحصلون عليه من خلال العيش في ثكنات عسكرية والسير عبر الحقول الموحلة بحزم ثقيلة. ولا عجب إذن أن القوات المسلحة في العديد من البلدان تعاني من صعوبة التجنيد.
ولهذا السبب، من اللافت للنظر أن فكرة الخدمة العسكرية الإلزامية تكتسب زخماً في العواصم الأوروبية الكبرى، حتى في تلك التي تظل فيها كلمة «التجنيد» مكروهة.
وفي بريطانيا، حيث فشلت القوات المسلحة في تحقيق أهداف التجنيد السنوية لأكثر من عقد من الزمان، تجنب المسؤولون أو نفوا بشكل قاطع أي دراسة لإحياء التجنيد.
لكن الإنذارات تدق بشأن الجيش البريطاني الذي تقلص إلى أصغر حجم له منذ قرنين من الزمن، حتى مع تزايد التهديدات. وكانت اللغة الخطابية من جانب كبار الساسة - حيث قال وزير الدفاع «جرانت شابس» إن البلاد تتحول من «عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب» - سبباً في فرض مناقشة عامة حول إنشاء «جيش من المواطنين».
والحيلة التي يواجهها الساسة الذين يدرسون هذه الفكرة تتلخص في كيفية جعل الخدمة العسكرية جذابة لجيل لا تحظى فيه الإشارات الرومانسية إلى البطولة أو الأدوات الذكية والمغامرة بجاذبية.
ويمكن العثور على نموذج في السويد، التي تخلت عن التجنيد الإجباري في عام 2010، لكنها أعادت إحيائه في عام 2018 مع فشل جهودها لتجنيد متطوعين، وحيث أصبح التهديد أكثر إلحاحاً.
وكان النموذج السويدي، الذي يشبه النموذج النرويجي، ناجحاً جزئياً. فهو عالمي وانتقائي للغاية، وقد تمكن من الارتقاء بالخدمة العسكرية الإلزامية إلى وسام الإنجاز الذي يعزز الحياة المهنية.
توصلت السويد إلى هذه الصياغة من خلال اشتراط فحص كل الشباب في سن 18 عاماً، وهي مجموعة تتألف من نحو 100 ألف شخص، ولكنها بعد ذلك تختار فقط الأفضل والألمع، ما يقرب من 5000، الذين يخدمون كمجندين لمدة تسعة إلى 12 شهراً.
وأثبت البرنامج شعبيته بين العديد من الشباب السويدي الذين شاركوا فيه، وهم يقومون أيضاً بتوسيع صفوف جنود الاحتياط بعد خدمتهم. وفي ألمانيا، استشهد «بيستوريوس» بهذا النهج كمثال محتمل يمكن لبرلين أن تحذو حذوه.
في عالم مثالي، يفضل معظم كبار القادة العسكريين الحفاظ على الوضع الراهن، مما يعني أن تكون القوات المسلحة مزودة بجنود محترفين ومتطوعين مدربين تدريباً عالياً. والمشكلة أن أوكرانيا أثبتت أن الحجم مهم أيضاً. فلا غنى عن الطائرات من دون طيار والدفاع الجوي وقذائف المدفعية. وكذلك وجود كتلة مهمة من الجنود المستعدين للقتال.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»