الآن وبينما يضغط الرئيس الأميركي جو بايدن على إسرائيل لحملها على التراجع عن اجتياح شامل لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يشعر بعض أنصار إسرائيل بالخيانة. ويتساءلون: كيف لإسرائيل أن تحمي نفسها وتضمن أمنها إذا لم تتمكن من القضاء على قادة «حماس» المختبئين في الأنفاق تحت رفح؟ 
الواقع أنهم يطرحون أسئلة مشروعة، لكني أعتقد أنهم يسيئون فهم دوافع بايدن حين يعتبرونها إنسانية خالصة ولا تهدف سوى إلى تجنب حمام دم في رفح. الأكيد أن إنقاذ الأرواح عامل مهم، ومن جهتي أتمنى أن يمارس بايدن مزيداً من الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحماية المدنيين الفلسطينيين، غير أننا حتى إذا وضعنا المخاوف الإنسانية جانباً، فإن العديد من المراقبين يعتقدون أن إسرائيل نفسها ستكون أفضل حالاً إذا تحلّت بضبط النفس. 
والفكرة التي يستند إليها أولئك الذين يؤيدون اجتياح رفح هي أن الهجوم قد يكون دموياً، لكنه سيمكّن من تدمير «حماس» بالكامل. 
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو مجلس الحرب الإسرائيلي الحالي غادي آيزنكوت حذّر في وقت سابق من هذا العام من أن الحديث عن «هزيمة مطلقة» لـ«حماس» «قصة يصعب تصديقها». وبالمثل، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن اجتياح رفح لن يقضي على مقاتلي «حماس» ولن يُنهي التمرد، ولهذا يبدو أن تدمير رفح لن يؤدي في الغالب إلا إلى قتل مزيد من الفلسطينيين، والمخاطرة بحيوات الرهائن الإسرائيليين، وتأجيج سخط الفلسطينيين أكثر ودفعهم للسعي للانتقام، وتوسيع نطاق عزلة إسرائيل المتزايدة.
ثم لاحظْ أن المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية حول غزة كانت سيئة منذ البداية. فهي لم تتوقع هجوم 7 أكتوبر، وبعد ذلك توقعت أن قادة «حماس» موجودون تحت مدينة غزة فدمّرتها. ثم ظنت أنهم تحت خان يونس فدمّرتها أيضاً. والآن يعتقد نتنياهو أنهم تحت رفح. وقد يكونون تحتها بالفعل، وربما سيَقتل آلاف المدنيين الآخرين أثناء البحث عنهم. 
والواقع أنه لطالما أخطأت إسرائيل في فهم «حماس». ففي ثمانينيات القرن الماضي، رعت الحكومة الإسرائيلية صعود «حماس» في غزة لأنها كانت تظن أن الشخصيات الدينية ستقضي وقتَها في الصلاة في المساجد بدلاً من إطلاق الصواريخ. وفي الفترة التي سبقت 7 أكتوبر، ساعد نتنياهو في دعم «حماس» مالياً لأنه كان يظن أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انقسام الفلسطينيين والتخفيف من الضغوط المطالِبة بإقامة دولة فلسطينية.
أحد الأسباب التي تدفع للتشكيك في الخطة الإسرائيلية الخاصة برفح هو عدم وجود خطة. ففي السابق، شنّ الجيش الإسرائيلي حرباً في شمال غزة وبدا أنه هزم «حماس» هناك، لكن من دون استراتيجية للسيطرة على الأرض. ولهذا عاودت «حماس» الظهور هناك مرة أخرى، وافتقار إسرائيل إلى خطة متماسكة لغزة يشير إلى أن هذا الأمر قد يستمر إلى ما لا نهاية.
ومن الأسباب المهمة التي تدفعني للشك في أن غزو رفح يصبّ في مصلحة إسرائيل الأمنية درسٌ تعلّمته القوات الأميركية في العراق: لا تنتبه إلى عدد المقاتلين الذين تقتلهم فقط، ولكن أيضاً إلى عدد المقاتلين الذين تخلقهم. وكانت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هينز حذّرت في مارس الماضي من أن «الصراع في غزة من المحتمل أن يكون له تأثير على الإرهاب على مدى جيل». وهو تقدير يبدو لي صائباً بالنظر إلى التغطية الصحفية التي قمتُ بها في غزة لسنوات قبل 7 أكتوبر. فالفلسطينيون لديهم وجهات نظر مختلفة، على غرار كل الناس. وبعد حرب غزة في سنة 2014، حاورتُ الناسَ هناك، وكان رد فعل بعضهم - النساء على وجه الخصوص – على النحو الذي قد تتمناه إسرائيل، إذ كانوا يرغبون في إنهاء العمل المسلح حتى لا يضطروا لمواجهة مثل هذا القصف والدمار مرة أخرى.
هذا في حين كان رد فعل فلسطينيين آخرين هو الرغبة أكثر من أي وقت مضى في الرد على إسرائيل. حينها، تحدثتُ مع أحمد جندية، الذي كان صبياً في الرابعة عشرة من عمره، والذي أخبرني بأنه يطمح إلى قتال الإسرائيليين، وقال: «لقد جعلتنا الحربُ نشعر بأننا سنموت في كل الأحوال، فلماذا لا نموت بكرامة؟». ليس لدي أي فكرة عما حل بأحمد، لكني أتساءل ما إن كان الأطفال الغاضبون مثله قد كبروا وكانوا من أولئك الذين اعتدوا على مدنيين إسرائيليين في 7 أكتوبر. وبالمثل، أخشى أن يكون الأطفال الذين تقصفهم إسرائيل وتجوّعهم اليوم من بين أولئك الذين سيهاجمون إسرائيل بعد عقد من الآن.
«الجمهوريون» يتهمون بايدن بخيانة صداقة أميركا مع إسرائيل عبر وقف نقل شحنة قنابل يبلغ وزن الواحدة منها 2000 رطل (453 كيلوجراماً) واتخاذ خطوات أخرى وثني إسرائيل عن اجتياح كامل لرفح. وأنا أقول إن العكس هو الصحيح، فهو شاهد على اهتمام بايدن بمصلحة إسرائيل. وعموماً، يبدو لي أن بايدن يقف إلى جانب إسرائيل بشكل أكثر وضوحاً من نتنياهو.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»