سواء أحببت ذلك أم كرهته، تتمتع الولايات المتحدة برئاسةٍ إمبراطورية. وفي فترة ولايته الرئاسية الأولى، أظهر دونالد ترامب سجلاً لاستخدام مثل هذه السلطات مع استمتاع ملحوظ على المسرح العالمي. وكما هو الحال في العديد من المجالات، فهو لا يتبع نهجاً تقليدياً في التعامل مع العلاقات الدولية. لكن قد يتبين أنه، كما كان الحال مع ريتشارد نيكسون وجورج بوش الأب من قبله، يستمتع ترامب بالانخراط في السياسة الخارجية.
قد يكون أسلوبه السياسي الخاص استفزازياً، ولكنه فعال أيضاً. إن النهج الذي يتبعه ترامب في التعامل مع مكانة أميركا عالمياً هو نهج عملي أو لا يمكن التنبؤ به أو كليهما، وقد يوفر فرصاً مذهلة للسلام.
إذا عاد ترامب إلى المكتب البيضاوي مرة أخرى، فقد يسعى إلى أن تكون تصرفاته مفاجئةً، وربما يستلهم من نيكسون في تقلبه وعدم القدرة على التنبؤ بسياسته الخارجية خصوصاً.
في فترة ولاية ترامب الأولى، كانت إنجازاته في الشؤون الخارجية أقل من قيمتها بشكل عام. كانت هناك إنجازات حقيقية: لم تكن هناك حروب خارجية جديدة، وتم إبرام اتفاقات سلام في الشرق الأوسط، وجرى التركيز على الصين، وتم تنبيه الحلفاء إلى أنه يتعين عليهم المساهمة بشكل أكثر وضوحاً في الدفاع عن أنفسهم.
وما لم يتغير المشهد العالمي فجأة، فسيعود ترامب إلى المكتب البيضاوي في مواجهة أنواع الأزمات الخارجية، وخاصة الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وهي حروب تَجنَّبها إلى حد كبير في ولايته الأولى.
لكن من المؤكد أن الظروف لن تغير الطريقة التي يدير بها الشؤون الخارجية. في فترة ولايته الأولى، ربما كان ترامب مكروهاً بالنسبة للمؤسسة وللمحافظين الجدد «الجمهوريين» في أحد الأيام (كما هو الحال في تفاعلاته مع كيم جونج أون وقادة الناتو)، وفي اليوم التالي يمكن أن يكون رأس الرمح لقوة أميركا الحربية (كما حدث في الغارة الجوية عام 2020 في بغداد والتي قتلت قاسم سليماني).
ومن المرجح ألا يتمكن ترامب، في فترة ولايته الثانية، من تشكيل حكومة يمينية مؤلفة من المديرين التنفيذيين والجنرالات في قطاع النفط. وبدلاً من ذلك، سيسترشد بمجموعة جديدة من الشخصيات المؤسسة أو البراجماتيين، فضلاً عن مجموعة من المستشارين المرتبطين باليمين الجديد، ممن يريدون إحداث اضطراب أوسع في السياسة الخارجية والذين يتساءلون عما إذا كان عدو جديد، مثل الصين، يمكن أن يوحد الأميركيين.
ويختلف أعضاء هذه المجموعة اليمينية الجديدة فيما بينهم بشكل متزايد، خاصة حول المدى الذي يمكن أن يصلوا به إلى الصين، وإلى أي مدى يجب أن تكون السياسة الخارجية المحافظة قابلة للتبادل مع السياسة الإسرائيلية.
ومن بين البراجماتيين الجدد، يكاد يكون من المؤكد أن الرجل الذي خلف جون بولتون كمستشار للأمن القومي، وهو روبرت أوبراين، سيلعب دوراً رئيسياً في فترة ولاية ترامب ثانية، ربما كوزير للدفاع أو كوزير للخارجية.
وقد يضم الفريقُ أيضاً القائمَ بأعمال مدير المخابرات الوطنية السابق «ريتشارد جرينيل»، الذي كان سفيراً لترامب في ألمانيا من عام 2018 إلى عام 2020. وباعتباره حليفاً لأوبراين، ينخرط جرينيل في سياسات ميزت فترةَ ولايته المضطربة في برلين. لكن أسلوبه يتوافق بشكل جيد مع نهج ترامب في التفاوض بدبلوماسية.
وبالإضافة إلى الأيديولوجيين والبراغماتيين، هناك بيئة لا يمكن التنبؤ بها من المؤمنين الحقيقيين، من بينهم «ستيف بانون» والعقيد المتقاعد «دوجلاس ماكجريجور»، بطل عبادة اليمين الجديد الذي تم تثبيته من قبل الموالين لترامب في البنتاجون خلال الفوضى في الفترة 2020-2021 بنية الانسحاب السريع من أفغانستان.
قد يقترح هذا الفريق رؤية يمكن أن تلبي نهجَ السياسة الخارجية لترامب، الذي يفضل مزيجاً من الابتعاد عن المشاكل والانخراط في الصراعات بشكل حاسم لفترة وجيزة. غالباً ما يكون رد فعل المحاربين القدامى في واشنطن هو الحيرة من فكرة أن ترامب لديه رؤية للسياسة الخارجية. وقد أربك نهجه أشخاصاً مثل بولتون، الذي انتقد ترامب لأنه ينظر إلى «الأمور على أساس أنها صفقات».
لكن ترامب يحب أن يشغل هويتين في الوقت نفسه: التهديد والمفاوض. وكما أظهر في مقابلة حديثة مع مجلة «تايم»، فإنه يتمتع بفهم ذكي لكيفية إدارة فريقه في المفاوضات.
ويمكن تطبيق نهج ترامب القائم على موقفين في وقت واحد على العديد من النقاط الساخنة الأخرى. خذ إسرائيل على سبيل المثال، حيث كرر في مقابلته الأخيرة أنه «سيحمي إسرائيل» إذا اندلعت الحرب مع إيران، لكنه قال أيضاً إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «تعرّض لانتقادات محقة بسبب ما حدث في 7 أكتوبر». وقال إنه يتعين على إسرائيل أن «تنجز المهمة» في غزة، لكنه خلص أيضاً إلى أن إسرائيل خسرت معركة العلاقات العامة في هذه الحرب. ويمكنك أن تتخيل ترامب، كرئيس، وهو يدعم إسرائيل بلا تحفظ في حملتها العسكرية في غزة. لكن يمكن بالمثل أن تتخيله وهو يتحدث بعبارات أقسى بكثير ضد نتنياهو من الرئيس بايدن، ربما سعياً إلى وقف إطلاق النار.
وفي الشتاء الماضي، أثار ترامب الغضب عندما قال إنه سيكون على استعداد للسماح لروسيا «بفعل ما تريده» لدول الناتو التي لا تنفق ما يكفي على الدفاع عنها. وفي مقابلته مع مجلة «تايم»، قال عن هذا التعليق: «عندما أقول أشياء من هذا القبيل، فإن هذا يقال كنقطة تفاوض».
في فترة ولاية ثانية، سيكون هناك أيضاً وعد بأن ترامب سيحاول أخيراً إثبات خطأ التكنوقراط والبيروقراطيين في واشنطن، أي الخبراء الذين سبق أن طردهم واستهزأ بهم.
كيرت ميلز
المدير التنفيذي لـ «حزب المحافظين» الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»