لا يزال المناخ غير مستقر حول العالم، بعدما شهدنا جانباً من عدم الاستقرار هذا في الإمارات قبل أسابيع قليلة، حيث تأثر كثيرون غيرنا في عدد من الدول بأضعاف ما شهدنا وتأثرنا به، حيث راح ضحية ما حدث هناك مئات الأشخاص، فضلاً عن تعطل شبه كامل في مظاهر الحياة، كما تشرد الآلاف إثر فقدان منازلهم، فيما اضطر الملايين للنزوح في البرازيل مثلاً حدثت «أسوأ كارثة مناخية في تاريخها»، فعشرات القتلى راحوا ضحايا السيول ومثلهم مفقودين، فيما حوالي 70 ألف شخص غادروا منازلهم، وأكثر من مليون مسكن أصبحوا بلا مياه بسبب الفيضانات. وفي شرق أفريقيا، بسبب الفيضانات وانزلاقات التربة، لقي نحو 400 شخص حتفهم، وتشرد الآلاف، ودُمرت عدة طرقات وجسور. وهو ما حدث بنسب مختلفة في كل ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأميركية، وإندونيسيا وباكستان والهند وعُمان.
في تلك الآونة كانت اللجنة العليا للأمن الداخلي في الإمارات في حالة انعقاد دائم، وذلك لضمان الاستجابة السريعة ولضمان استمرارية الأعمال. فتم تخصيص خطوط ساخنة لاستقبال المكالمات الطارئة من الجمهور وتقديم النصائح والإرشادات لهم على مدار الساعة، كما قامت دوريات الشرطة وغرف الطوارئ بعدة أدوار مجتمعية وإنسانية مميزة، حيث ساعدت الدوريات الأسر المتضررة والعالقين بسبب الأمطار، ونقلتهم إلى أماكن آمنة.
والنجاح الذي حققته فرق الإنقاذ في الدولة لا يمكن مقارنتها بما جرى في التوقيت ذاته بمناطق ودول أخرى، فالإمارات كانت مستعدة لحالات الطوارئ، وعندما هطلت الأمطار الغزيرة بسبب منخفض الهدير، واجهت الأجهزة المعنية - الاتحادية والمحلية - الحالة غير المسبوقة باقتدار.
لقد نجحت الجهات المختصة في إزالة آثار المنخفض الجوي الذي شهدته معظم مناطق الإمارات وفي زمن قياسي، بعدما بذلت جهوداً استثنائية للتعامل مع الحالات الناجمة عن تقلبات الطقس وهطول الأمطار في كافة المناطق، وذلك لضمان الحفاظ على السلامة العامة. كما تمكنت فرق الطوارئ في مختلف البلديات من التعامل مع تقلبات الطقس منذ البداية، فسحبت مياه الأمطار بالمضخات من الشوارع والمناطق السكنية المغمورة. ولاحقاً أعلنت وزارة الداخلية بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث والمركز الوطني للأرصاد وشركائهما الاستراتيجيين عن انتهاء المنخفض الجوي الذي تأثرت به مختلف مناطق الدولة، وذلك لإعادة الطمأنينة إلى الناس الذين فعلاً خافوا من تقلبات الطقس.
أما الخبراء والمختصون في الجيولوجيا ومصادر المياه، فقد أكدوا أن الجهات المختصة في الدولة تعاملت مع تأثيرات منخفض «الهدير» الجوي باحترافية عالية. مشيرين إلى مسألة مهمة وهي طريقة بناء السدود وتنظيفها بشكل دوري، حيث أسهم ذلك بشكل كبير في الحفاظ على السدود، مع الاحتفاظ بكميات مياه الأمطار التي احتُجزت فيها، والتي تغذي بالضرورة منسوب المياه الجوفية الواقعة تحتها، ليصبح مخزون المياه الصالحة للاستخدام لأغراض متعددة لدينا كبيراً، وهذا يمثل قيمة كبيرة عندنا، إذ يمكننا أن نشرب مياهاً طبيعية الآن ونستغني ولو لفترة عن مياه البحر المحلاة.
وعلى الرغم من يقيني بصحة تأكيدات الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث بانتهاء تغيرات الحالة الجوية على الإمارات، إلا أن هذا لا يمنع أبداً من توخي الحيطة وأخذ الحذر، وذلك في ضوء التغيرات المناخية التي باتت ظاهرة عالمية واضحة، وبالتالي ينبغي علينا التعايش معها.
وعلينا أن نعي أيضاً أن ما شهدناه من تقلبات طقس، ممثلة بالعواصف والأمطار التي شهدتها معظم المناطق في الإمارات بسبب تأثيرات المنخفض الجوي، يمكن أن يتكرر، ولكن بجهود المؤسسات المعنية في الدولة - والتي فاقت التوقعات - وبوعي الناس أيضاً، تم تلافي الكثير من المشاكل التي حدث - مع شديد الأسف - في مناطق أخرى في العالم، أي الخسائر في الأرواح، وانقطاع في التيار الكهربائي، وغرق المدن، وانجراف التربة والبيوت بسبب السيول.