أظهرت الإمارات في ظل الأحداث الجوية الاستثنائية التي شهدتها مؤخراً المرونةَ التي تمتاز بها أجهزة الدولة واستجابتها الفورية تجاه مواطنيها والمقيمين على أرضها، وتوجت تميزها بالتفاعل مع مجتمعها بإقرار تخصيص مبلغ 2 مليار درهم لمعالجة الأضرار الناجمة عن الأمطار الغزيرة، وتعويض المواطنين الذين تضررت مساكنهم، في قرار حكيم يعكس التزام الدولة بالتكافل الاجتماعي والمسؤولية تجاه الأفراد. الخطوة تدل على أن الإمارات ستظل بلد الخير والأمان والثقة الكاملة التي يوليها الشعب للقيادة، كما تعكس الحس الوطني والمسؤولية الاجتماعية وعمق الرؤية الاستراتيجية للقيادة، بالإضافة إلى القدرة على اتخاذ الخطوات التي تكفل التجسيد العملي الحي لمفهوم الأمان الاجتماعي الذي تنشده الدولة لمجتمعها.
ومن الأبعاد الاستراتيجية لتفاعل الحكومة وتخصيصها ذلك المبلغ الضخم لتعويض مَن تضررت مساكنهم، أن هذه المبادرة تأتي لتؤكد على أن الأمان الاجتماعي في الإمارات ليس مجرد شعار، بل سياسة متبعة وملموسة تتجلى في الأفعال والقرارات الحكومية وليس الأقوال، وهذا من أبرز أسرار الولاء الوطني والتلاحم بين شعب الإمارات وقيادته، والذي تتعلم منه الشعوب الأخرى وتتناقله كأبرز مثال على وفاء القيادة لمجتمعها، وحرصها على أمنه وسعادته في أوقات الرخاء والشدة على حد سواء. ومن إيجابيات قرار التعويض أنه يعزز الثقة الراسخة بين المواطنين وحكومتهم، ويقدم بشكل مباشر رسالة طمأنينة لمواطنيها بأن الدولة ستقف بجانبهم في السراء والضراء، مما يعزز الثقة المتبادلة.
كما يثبت القرارُ قدرةَ الدولة على سرعة الاستجابة الفورية أثناء الأزمات، وتطور البناء المؤسسي لمختلف الدوائر الحكومية المعنية بخدمة مجتمع الإمارات مواطنين ومقيمين. وستبقى الإمارات بلد العطاء والتعامل بكفاءة واقتدار عند إدارة الأزمات، بدليل الكشف عن النجاح في التعامل مع أكثر من 200 ألف بلاغ، ومشاركة الآلاف من عناصر الأمن والطوارئ والمتطوعين أثناء هطول الأمطار الغزيرة على الدولة، مما أظهر قدرة مختلف الدوائر الاتحادية والمحلية على التحرك باحتراف لمساعدة المجتمع، بجانب بروز توجه سريع نحو العمل على المزيد من تحسين البنية التحتية، من خلال تشكيل لجنة لحصر الأضرار واقتراح الحلول، في خطوات استباقية حكيمة تظهر الجاهزية لرفع مستوى الاستعداد لمواجهة أي أزمات مستقبلية مماثلة للظروف المناخية الطبيعية التي واجهتها الدولة.
ومن ناحية أخرى ورغم الأضرار التي صاحبت غزارةَ الأمطار، فإن ما حدث عكَس كذلك نجاحَ الإمارات في الاستفادة من مياه الأمطار كمصدر للخير، وإغناء المخزون المائي بعدة طرق ومنها المخزون الجوفي ومخزون السدود. وإلى ذلك فإن قرار تعويض أصحاب المنازل المتضررة يحمل تأكيداً جديداً على أن نهج الإمارات يعتمد على منظومة رعاية اجتماعية متكاملة، تراعي الأولويات ذات الصلة بالاستقرار الاجتماعي، وحماية صحة المجتمع وضمان الحياة الكريمة لجميع أبنائه، والمسارعة بالتخفيف عليهم من آثار كارثة طبيعية تطلبت التحرك الحكيم، وهذا ما حدث وبنجاحٍ كبير شهد به المواطن والمقيم.
ولا بد من النظر إلى هذه التجربة كفرصة لتعلّم دروس قيمة في كيفية إدارة الأزمات والاستثمار في تكنولوجيا الرصد الجوي والبنية التحتية وتدريب الموارد البشرية، وكلها عناصر ستعزز من قدرة الدولة على التعامل مع التحديات المستقبلية، لتثبت الإمارات للعالم أنها نموذج فريد في خدمة مجتمعها بثقة وكفاءة مستدامين. ولن ينسى شعب الإمارات هذه المبادرة الحكومية الكريمة التي تؤكد أن الإمارات دائماً بلد الخير، وأنها قادرة في كل الظروف على أن تبرز قيمها الحضارية التي تعتمد على التكافل والتضامن الاجتماعي، من خلال استعداد الدولة لدعم مواطنيها، ومد يد العون لهم في أوقات الشدة كجزء من ثقافة إماراتية أصيلة، والتزام قائم على عهود الولاء بين القيادة والشعب.
*كاتب إماراتي