كعادتها في قيادة ركب الاستدامة إقليمياً وعالمياً، استضافت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» النسخة الثانية من قمة الهيدروجين الأخضر في 16 أبريل الجاري 2024، وقد جمعت هذه القمة تحت سقف واحد نخباً من قطاع الطاقة العالمي وصفوة صانعي السياسات ورواد الأعمال وكبار مستثمري الطاقة وكبريات شركات الهيدروجين. أصبحت هذه القمة محفلاً دولياً رائداً لرسم مستقبل الهيدروجين الأخضر، والذي يُتوقع أن يشكل نحو 18% من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050. وقد اختارت شركة «مصدر» أن يكون «بناء اقتصاد الهيدروجين.. من الحوار إلى الواقع» هو الشعار الذي تنعقد القمة في ظله، ما يعكس الهدف الأساسي المبتغى من هذه القمة وكل القمم التي تنظمها «مصدر»، وهو الوصول إلى أفضل الممارسات والحلول الداعمة لتحول العالم للطاقة المستدامة، ذلك التحول الذي بات يزدهر بالجهود المتواصلة التي تبذلها دولة الإمارات. وقد تجلى وعي الإمارات بالإمكانات المتنامية للهيدروجين الأخضر، محلياً وإقليمياً وعالمياً، بأن نظمّت جهودها على ثلاثة محاور مترابطة ومتوازية، أولها الاستعداد لبناء اقتصاد الهيدروجين، وثانيها ضمان التنافسية الإنتاجية للإمارات، أما ثالثها فهو بناء شراكات الهيدروجين الموثوقة. فعلى صعيد الاستعداد لبناء اقتصاد الهيدروجين، عمدت الدولة، ممثلة في وزارة الطاقة والبنية التحتية، إلى تطوير البنى التحتية للهيدروجين، بداية من إطلاق الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين 2050، ووصولاً إلى تطوير سلاسل التوريد وإنشاء وحدات الهيدروجين ومراكز أبحاث وطنية متخصصة ومركز تطوير تقنيات الهيدروجين، إضافة إلى تطوير البنى الرقمية الضرورية لهذه المنظومة المتكاملة. وقد ظهر أثر ذلك واضحاً في تمكُّن شركة «أدنوك» حالياً من إنتاج أكثر من 300 كيلو طن سنوياً من الهيدروجين. أما على صعيد الجدوى الاقتصادية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، أو ضمان التنافسية الإنتاجية، وبالنظر إلى أن تكلفة هذا الإنتاج تمثل التحدي الأول في بناء اقتصاد الهيدروجين، فقد باتت دولة الإمارات تتصدر المرتبة الأولى عالمياً في القدرة التنافسية للهيدروجين الأخضر، مع أدنى تكلفة مستوية للهيدروجين في العالم بقيمة 2.7 دولار/ كجم في عام 2023، وبفارق قياسي عن المرتبتين الثانية والثالثة. وفي ظل الالتزام الكامل للحكومة بأن تستمر هذه الريادة العالمية، تؤكد التوقعات أن تصل هذه التكلفة إلى مستوى تنافسي جديد بنحو 1.7 دولار/ كجم في عام 2030. وأما على صعيد بناء شراكات الهيدروجين الموثوقة، فإنه في الوقت الذي يقع فيه بناء هذه الشراكات في القلب من الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، لا تستهدف تلك الشراكات دفع الاستثمارات عالية الجدوى لدعم اقتصادات دول العالم وتحفيز الشركات الرائدة إقليمياً وعالمياً فقط، بل تأتي أيضاً في سياق حرص دولة الإمارات الدائم على أن تولّد هذه الاستثمارات النمو الاقتصادي المستدام الذي ينتظره العالم الآن أكثر من أي وقت مضى. وفي الواقع، فإن نظرة واحدة على جغرافيا شراكات الإمارات في مجال الهيدروجين الأخضر كفيلة بأن تثبت موثوقية هذه الشراكات، فحضور الدولة الكثيف في قطاع الهيدروجين الخليجي، وتوسيع قاعدة الاستثمارات الإماراتية في الشركات الدولية الرائدة في هذا المجال، وخاصةً شركة الطاقة النظيفة الأميركية «تيرا- جين»، وتوقيع اتفاقية لدعم تصدير الهيدروجين الأخضر مع شركة «دايملر تراك» الألمانية، كل ذلك يمثل أدلة مهمة على جهود الإمارات لتعزيز التحول العالمي للهيدروجين الأخضر. في ضوء الحقائق السابقة، يمكن القول إن المخرجات المهمة للقمة الثانية للهيدروجين الأخضر من شأنها تعزيز فرص تحقيق الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين لإنتاج 15 مليون طن من الهيدروجين منخفض الانبعاثات سنوياً، ضمن رؤية أوسع لزيادة حصة الطاقة المتجددة في الدولة ثلاث مرات بحلول عام 2030، وبما يضمن في الوقت نفسه وصول الاقتصاد الوطني إلى الحياد المناخي بحلول 2050، ويعزز جهود الإمارات لدعم التحول العالمي للطاقة.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.