أطلّ علينا عيد الفطر المبارك هذا العام، والنفوس تأمل أن تتوقف الصراعات، وأن تنقشع ظلال الحروب والأزمات التي تخيم على منطقتنا ومناطق أخرى في العالم، بعد أن أصبحت العديد من المناسبات الدينية تأتي منذ سنوات متزامنة مع استمرار أحداث مؤسفة تعاني بسببها شعوب تبحث عن الحل الذي يجعلها تذوق طعم البهجة مثل غيرها من شعوب الأرض التي تنعم بالسلام والاستقرار.
المأساة الأشد قسوة هي تلك المستمرة في قطاع غزة، على خلفية الصراع الذي اشتعل بين «حماس» وإسرائيل، ومع استمرار الصراع لم تظهر في الأفق أي حلول جذرية تخفف معاناة السكان. وكل عام يبدو الحديث عن السلام والأمان مثالياً عن أمل لا يزال بعيداً، لكن المساعي والجهود من أجل التوصل إليه لن تتوقف، لأن السلام هو الحل والضمانة للتعايش والاستقرار، ومنح الأجيال القادمة حقها في تحقيق طموحاتها.
الصراعات المستمرة في مناطق متفرقة من العالم، وفي مقدمتها منطقتنا العربية، تؤكد أهمية إيجاد حلول دائمة وعادلة، تنهي النزاعات والفقر، وتفتح أمام الشعوب الأبواب لتسهم في تنمية بلدانها، وستبقى القضية الفلسطينية التي طال أمدها من أبرز القضايا التي تواجه صعوبات في إيجاد حل نهائي نتيجة سيطرة المتطرفين على القرار، وعدم الاستعداد للتفاوض، ومنح الفلسطينيين حقوقهم الطبيعية التي تضمن لهم الاستقرار وتكفل توقف دوامة الصراع في المنطقة.
والقضية الفلسطينية مثال بارز على تأثير الصراعات ومدى خطورة تداعياتها على الشعوب والأجيال، حيث تسببت في معاناة إنسانية طويلة وعرقلت فرص البناء والنهوض بالتنمية في المنطقة، لأن الدخول في حروب وقلاقل طويلة الأمد يؤدي إلى زيادة المعاناة واستمرار الاضطرابات، وإلحاق الضرر بأجيال لها الحق في الاستقرار والعيش بأمان. الاستقرار يمهد الطريق أمام الشعوب لتنهض وتبتكر وترتبط بمصالح تضمن تطورها وتفرغها للإنتاج، وفي هذا الإطار تبرز تجربة الإمارات مثالاً على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الدول في تبني ثقافة التسامح، وبذل الجهود الإيجابية وتقديم المساعدات الإنسانية، كرسالة واضحة تعبر من خلالها الدولة عن التزامها بالعمل من أجل مستقبل أفضل، بعيداً عن الصرعات التي لا تطرح الحلول الشاملة، ولا تعالج الإشكاليات الجوهرية من جذورها.
ومع حلول كل عيد يأمل الجميع أن تتوقف الصراعات التي ألحقت الضرر باستقرار شعوب المنطقة، وفي الوقت نفسه أصبحت تمثل دروساً مفادها أن التطرف يشكل وقود النزاعات والحروب، وأن المصلحة العامة تتطلب انتهاج خطاب جديد قائم على التخلص من الفوضى ومن شبح الحروب، على أمل أن تأتي الأعياد القادمة، وقد تحقق السلام والاستقرار في المنطقة، وأن تنتهي معاناة كل المجتمعات التي تعاني ويلات الحروب والهزات الاقتصادية والأزمات الإنسانية التي تتسبب بها.
لكن الأمل وحده لا يكفي، لأن الأمنيات لا تتحقق من دون عمل، وهو ما يستدعي من المجتمع الدولي والأطراف المعنية في مختلف مناطق الصراعات أن تسعى بمصداقية وبجهد للبحث عن حلول سلمية تعتمد الحوار وسيلة للتفاهم، بدلاً من الحرب التي تولد الكراهية وتسبب الخراب وتؤسس لحروب دائمة، الخاسر الوحيد فيها هو الإنسان مهما كان دينه أو عرقه أو طائفته. كما أن السلام ليس كلمة عابرة أو نهاية سهلة للحروب، إذا لم تدعم السلام وترسخه الجهود التي تنهض بتنمية المجتمعات، وتتبنى إعمارَ المناطق المتضررة، مع ما يرافق هذه الجهود من تقديم للإعانات الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية، وتعزيز النظم الصحية والتعليمية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين وضحايا الحروب.. والأهم من كل ما سبق معالجة الأسباب الجذرية للصراعات بشكل فعال، والقضاء على الفقر والتطرف، وتأسيس أرضية اجتماعية للسلام والاستقرار.
*كاتب إماراتي