تلتزم الأمم المتحدة بقاعدة عامة لمحاسبة كل دولة عضو في المنظمة، مرة كل خمس سنوات بالمثول أمام لجنة تحقيق دولية حول مدى التزامها –أو انتهاكها- لمنظومة حقوق الإنسان. والعضوية في هذه اللجنة مفتوحة أمام كل الدول الأعضاء. هذه المرة كان دور الصين في المساءلة والمحاسبة. وهي مناسبة كانت الولايات المتحدة تتطلع إليها لتشويه سمعة الصين، وكانت الصين تدرك ذلك وتستعد له. حشدت الولايات المتحدة دولاً حليفة لها لتوجيه الاتهامات، وهو أمر لم يفاجئ الدبلوماسية الصينية التي كانت له بالمرصاد.. وبذكاء. وبموجب النظام الداخلي للجنة التحقيق، هناك وقت محدد لجلسة الاستماع يقسم على عدد طالبي الكلام. عبأت الولاياتُ المتحدة مجموعةً من الدول الموالية لها لتوجيه الاتهامات إلى الصين. وبالمقابل تمكّنت الصين من إقناع عدد كبير من الدول الأخرى لتفنيد تلك الاتهامات. وهكذا ارتفع عدد الدول التي طالبت بحقها في الكلام إلى 160 دولة. ولأن الوقت المخصص لجلسات الاستماع محدد وغير مفتوح، فقد خُصص لكل متحدث عن كل دولة 45 ثانية فقط. وسارع ممثلو الدول المتعاطفة مع الصين إلى تسجيل طلباتهم لإلقاء كلماتهم في وقت مبكر. حتى إذا أطال أحدهم الكلام عشر ثوان فقط، لن يبقى للمتحدثين الآخرين وقت لطرح وجهات نظرهم المعاكسة.
وبموجب النظام أيضاً، فمن حق ممثل أي دولة أن يوجه اتهامات أو أن يقدم اقتراحات أو أن يشرح حالةً ما في إطار الوقت المحدد. فماذا يمكن القول في 45، أو في 60 ثانية فقط؟ في المحصلة الأخيرة لجلسة الاستماع، ارتسمت علامة الاستفهام التالية: أيهما يجب أن يتقدم على الآخر، منظومة حقوق الإنسان كما وردت في الشرعة الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة في عام 1948، أم منظومة حقوق المواطن في الأمن الوطني، وفي النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي؟ في الشكل، تدافع الولايات المتحدة عن المنظومة الأولى، وتتبنى الصين منطق المنظومة الثانية، أما في الجوهر، فإن التباين الثقافي بين الشرق والغرب يرسم علامات استفهام كبيرة حول بعض المبادئ العامة وحول آليات العمل بها. حاولت الولايات المتحدة أمام اللجنة الدولية لحقوق الإنسان اتهام الصين بانتهاك حقوق الإنسان، وردّت الصين بأنه ليست كل الحقوق التي تدافع عنها الولايات المتحدة هي حقوق إنسانية.
ومن هنا ترتسم علامة الاستفهام الكبيرة حول مفهوم الحقوق نفسه، متى تكون حقوقاً ثقافية اجتماعية خاصة، ومتى تكون حقوقاً إنسانية شاملة وعامة؟ ارتفعت علامة الاستفهام هذه عندما وُضعت وثيقة حقوق الطفل، حيث تباينت الآراء –ولم تزل- حول حق الإيمان أو اللاإيمان، وحول الحق في تغيير الدين وتبديل العقيدة، وهي أمور حساسة، وتتباين الآراء والمواقف منها، ولذا ما تزال معلقةً حتى اليوم. لا بد الآن من الانتظار خمس سنوات كاملة قبل أن تُدعى للاجتماع لجنة التحقيق الدولية حول أي اتهام لأي دولة بانتهاك حقوق الإنسان. وحتى ذلك الوقت تكون مياه كثيرة قد مرّت من تحت جسر العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، الدولتان اللتان تقرّران مصير العالم، ونأمل أن يكون ذلك بالتي هي أحسن.
*كاتب لبناني