نهاية الأسبوع الماضي، تجاوزت الحرب بين إسرائيل وغزة ال170 يوماً من دون أن تلوح في الأفق نهاية وشيكة لها. لا يوجد إسرائيلي أو غزيي لم يتأثر بالموت والدمار والصدمة التي أثارتها المذبحة التي ارتكبتها «حماس» في 7 أكتوبر والحرب التي تلتها. ففي إسرائيل، تخرج كل أسبوع مظاهرات حاشدة معارضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه انتقادات شديدة. واليهود الأميركيون يتعرضون لتسونامي من معاداة السامية. وفي الأثناء، ما زالت التوترات بين «الديمقراطيين» مستمرة بسبب السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة. وقد يكون «الإحباط» -- الواضح في خطاب إدارة بايدن واستطلاعات الرأي العام -- أفضل وصف لموقف الأميركيين تجاه الحرب.
إحباط الرئيس بايدن الشخصي تعكسه بشكل متزايد تصريحاته المنتقدة لفشل إسرائيل في تقديم المساعدات الإنسانية الكافية لسكان غزة وفي التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب على غزة. وفي خطوة نادرة، رعت الولايات المتحدة مؤخراً قراراً في مجلس الأمن الدولي (استخدمت روسيا والصين حق النقض ضده لاحقاً) «يدين بشدة القيود التي تمنع دخول المساعدات إلى غزة، وأي محاولة «لتقليص» أراضيها، والهجمات ضد المدنيين باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي، ويحذر من شن هجوم عسكري في رفح»، كما نقلت الصحيفة. كما دعا إلى «وقف فوري لإطلاق النار من دون تحديد سقف زمني معلن»، وهو مطلب أثار فيتوهات أميركية ضد ثلاثة قرارات سابقة.
المفاوض المخضرم في شؤون الشرق الأوسط دينيس روس قال في حديث مع موقع «بوليتيكو» مؤخراً إن إحباط بايدن نابع من «مخاوفه بشأن مسار الحرب في غزة، وطبيعة الهدف الإسرائيلي، وعدم إيصال المساعدات الإنسانية بشكل فعال، وعدم وجود خطة واضحة لكيفية التعامل مع المرحلة التالية في غزة». وعلاوة على ذلك، يقول روس، فإن بايدن يقاوم هدف نتنياهو المتمثل في «النصر الكامل» باعتباره غير واقعي.
الإحباط -- إن لم يكن الاشمئزاز والتقزز – يمثّل أيضاً رد فعل اليهود الأميركيين على إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سبق أن وُجهت له لوائح اتهام أربع مرات أن «أي يهودي يصوّت للديمقراطيين يكره دينه» وأنه «يكره كل شيء عن إسرائيل». جهوده المعادية للسامية هذه التي تطعن في عقيدة الملايين من اليهود الذين يصوّتون للديمقراطيين أثارت عاصفة من الانتقادات من السيناتور تشارلز شومر (الديمقراطي عن ولاية نيويورك) (الذي دعا في خطابه الشجاع الأخير إلى إجراء انتخابات إسرائيلية جديدة) ووسائل إعلام وزعماء يهود.
وخلافا للمتشددين الإسرائيليين والجمهوريين من تيار ال«ماغا» («لنجعل أميركا عظيمة من جديد»)، فإن «الديمقراطيين» الذين يدعون إلى اتخاذ موقف أميركي أكثر صرامة تجاه نتنياهو يدركون «أن تكون مؤيداً لإسرائيل يعني أيضاً أن تكون مؤيداً للفلسطينيين»، كما قال الحاخامان التقدميان جون روزوف وإليوت تيبرمان في صحيفة «هآرتس». وبما أن «مصيري هذين الشعبين -- اللذين يتشاركان الأرض والتاريخ، ولا أحد منهما سيرحل -- مرتبطان ارتباطاً وثيقاً»، فقد لفت الحاخامان إلى أن «توفير الاستقرار والأمن وتقرير المصير للفلسطينيين بالتوازي مع دعم الإصلاحات في الحكامة والتعليم سيفيدان أيضاً أمن إسرائيل في المستقبل». ويتفق العديد من الأميركيين على أن الوضع معقد.
استطلاع للرأي أجراه «مركز بيو للأبحاث» مؤخراً يعكس التباينات الطفيفة في آراء الأميركيين. ف57 في المئة يتعاطفون «إلى حد ما على الأقل مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، بما في ذلك 26 في المئة يقولون إنهم يتعاطفون مع المجموعتين بالتساوي». و31 في المئة «يقولون إنهم يتعاطفون إما كلياً أو في الغالب مع الشعب الإسرائيلي». و16 في المئة فقط يقولون ذلك عن الفلسطينيين.
غير أنه إذا كان 58 في المئة من المستطلعة آراؤهم يقولون إن لدى إسرائيل أسباباً مقبولة لمحاربة «حماس»، فإن 38 في المئة فقط يرون أن «إدارتها للحرب مقبولة»، بينما يرى 34 في المئة أنها غير مقبولة.
ولا غرو في أن إسرائيل فقدت الدعم، خاصة بين الأميركيين الشباب. فقد استهل نتنياهو حربه بقصف واسع أسفر عن قتل آلاف الأبرياء، ثم فشل في التخفيف من معاناة سكان غزة. كما تضم الحكومة الإسرائيلية وزراء عنصريين يستخدمون خطاباً تحريضياً (أدى إلى اتهامات دولية بالإبادة الجماعية) ويرفضون تقديم خطة قابلة للتطبيق لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.
ومع عدم وجود خيارات، لم يبق أمام بايدن سوى زيادة الضغط على إسرائيل (مثل قرار الأمم المتحدة الأكثر شدة)، والعمل على التخفيف من معاناة سكان غزة، والتأكيد على أن إسرائيل بحاجة إلى حكومة تقبل بحل طويل الأمد للفلسطينيين. وكما يتضح من إرجاء نتنياهو لعملية رفح، فإن جهود بايدن تؤثّر على إسرائيل (حيث يدرك الجمهور، كما يقول روس، أن «بايدن رئيس سعى جاهداً حقاً لدعم إسرائيل»). وبوسع الأميركيين على الأقل أن يجدوا بعض العزاء في حقيقة أن أيام حكومة نتنياهو باتت معدودة وأن يمينييها الذين أشرفوا على المأساة من المستبعد أن يكونوا جزءاً من أي حكومة تليها، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
وخلاصة القول إن أميركا لا تستطيع حل كل النزاعات. فلا هدنة تلوح في الأفق. وإسرائيل لن تختفي ولا المطالب الفلسطينية بتقرير المصير لن تختفي. وبالتالي، فإن كل ما يمكن أن نتوقعه بشكل معقول من فريق بايدن هو جهد حثيث للحؤول من دون اتساع المعاناة والحفاظ على إمكانية قيام دولتين لشعبين في يوم من الأيام.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سيندكيشن»