لا يزال نقص الكهرباء يمثل تحدياً حاسماً في البلدان النامية، التي تسعى جاهدةً إلى تحقيق هدف الأمم المتحدة المتمثل في الوصول الشامل إلى الكهرباء بحلول عام 2030؛ فقد نصَّ هدفها السابع ضمن أهداف التنمية المستدامة على ضمان تزويد الجميع بطاقة حديثة وموثوق بها ومستدامة بتكلفة ميسورة. وفي قلب هذه المهمة تكمُن الحقيقة المروعة، وهي أنه لا يزال 1.3 مليار شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون في الظلام، وحياتهم لم تمسّها الطاقة التحويلية للكهرباء؛ وفي الشوارع الصاخبة بالدول النامية تتّسع الفجوة بين توليد الطاقة والطلب؛ ما يلقي بظلاله على تطلعات الوصول الشامل إلى الكهرباء بحلول عام 2030.
وفي عالم تعاني معظم دوله ندرة الوقود التقليدي، ومحدودية الأموال المخصصة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، قد تكون توسعات الشبكة التقليدية والحلول خارج الشبكة غير كافية. وتبرز الشبكات الصغيرة المبتكرة، والأنظمة الهجينة، والمبادرات التي يقودها المجتمع بصفتها بدائل واعدة؛ ما يبعث الأمل بالحصول على الطاقة المستدامة على الرغم من تلك القيود.
وتضع بعض شركات الكهرباء استراتيجيات لمعالجة النقص في الطاقة؛ فقد تترك منطقة جديدة بلا كهرباء، أو توفر الكهرباء لنحو 10 في المئة فقط من الأسر في أي منطقة؛ لتلبية معايير الاعتراف بأن المنطقة «مكهربة»؛ أو تنفذ «مخطط انقطاع التيار الكهربائي»، القائم على آلية مجدولة لانقطاع التيار في أجزاء مختلفة من الشبكة بأوقات محددة لمنع الانقطاع بصورة كاملة على مستوى النظام؛ ما يتيح لكل منطقة موصولة بالشبكة الحصول على الكهرباء ساعات عدَّة يوميّاً. وقد بُنيت هذه الاستراتيجية لإدارة موارد الطاقة المتاحة بفاعلية في حال وجود نقص أو محدودية في الإمكانيات المادية.
وإذا كان هذا ما قدمته شركات الكهرباء من حلول، فماذا فعل مستهلكوها؟ لا شكَّ أن همسات التغيير في منازل المستهلكين كان لها صدى؛ وتبُث الجهود المبذولة لمكافحة سرقة الكهرباء، وتعزيز الأجهزة الموفرة للطاقة الحياة في المجتمعات التي لا تزال غارقة في الظلام منذ زمن طويل؛ ولكنْ بالنسبة إلى كثيرين تظل الطريق إلى التحديث على هذا الصعيد حلمًا بعيد المنال، محجوباً بالتكاليف الهائلة المترتبة على تبني التكنولوجيات الجديدة.
وبرغم ذلك، بينما يصارع العالم تعقيدات الحصول على الطاقة، يتردد صدى همسات الأمل، ويتصور أصحاب الرؤى المتفائلة مستقبلاً مدعوماً بالابتكار، تضيء فيه الشبكات الذكية ومصادر الطاقة المتجددة الطريق إلى الأمام؛ ولكنَّ الحقيقة أن هذه الطريق محفوفة بالتحديات، من ندرة الموارد إلى المخاوف البيئية.
وفي سجلات التاريخ تقف المبادرات السابقة شاهداً حيّاً على مرونة الروح البشرية، ومنها برنامج «أكشاي براكاش يوجانا» (إمدادات الطاقة غير المنقطعة) في الهند، الذي طُبّق سابقاً، وكان ذات يوم منارة أمل للمجتمع الهندي؛ ولكنَّ البرنامج -برغم أهدافه النبيلة- تعثر تحت وطأة القيود التشغيلية، وعدم اليقين في العرض الفعلي من الكهرباء.
ما الحل إذنْ؟ تكمُن الحلول الرئيسية في ربط إدارة الطاقة بالاستجابة للطلب، شريطة أن تكون هذه الاستجابة مسبوقة بفَهْم دقيق لنماذج الحَمْل وعوامل الطقس والاعتبارات الأخرى ذات الصلة؛ ما يتيح لنا تحسين استخدام الطاقة، وتعديل الطلب بحسب الحاجة، ومعالجة النقص في توليد الطاقة بفاعلية. وإضافةً إلى ذلك يمكن خفض تكاليف الاستثمار في الطاقة النظيفة عن طريق دمج بحوث العمليات ذات الصلة بإنتاج الكهرباء مع الذكاء الاصطناعي وإدارة الطلب؛ إذ يمكن استخدام بحوث العمليات لتحديد أفضل الأحجام والمواقع لتثبيت أنظمة الطاقة النظيفة، في حين يستطيع الذكاء الاصطناعي توقع الطلب على الطاقة، وتحسين توزيعها. وتتيح إدارة الطلب ترشيد استخدام الطاقة، وتوجيه الطلب بكفاءة؛ ما يسهم في تقليل التكاليف الاستثمارية، وتحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة.
وللسياسة دور فعَّال في تحقيق هذا الهدف؛ وذلك عن طريق تحفيز مصادر الطاقة المتجددة مقترنة بإدارة الطلب، وتعزيز الكفاءة، وضمان الوصول العادل إلى الطاقة، ودفع الأهداف والحوافز واللوائح الواضحة نحو الانتقال إلى أنظمة أكثر اخضراراً ومرونة تعود بالنفع والفائدة على الجميع.
* أستاذ مشارك في جامعة خليفة، عضو مشارك في برنامج خبراء الإمارات 3.0 - قطاع العلوم المتقدمة والبحوث