لم تكن نائبة الرئيس الأميركي هاريس ضعيفة أبداً، كما يدعي منتقدوها. فمنذ بداية ولايتها، حافظت على جدول سفر دبلوماسي صارم وفعّال، ودعمت جهود الرئيس بايدن المدافعة عن حقوق التصويت. وخلافاً لبايدن، لم تتجاوز الرئيسَ أبداً بخصوص السياسات. وخلافاً لنائب الرئيس السابق «دان كويل»، لم تقع في واحدة من تلك الزلات التي تشكّل مادة للتندر في البرامج التلفزيونية الساخرة. كما أنها تجنبت التملق المحرج الذي كان يقوم به سلفها مع رئيسه.
بعض المدافعين عنها أشاروا إلى توقها لتولي مهام تبدو مستحيلة «مثل وقف موجة المهاجرين من أميركا الوسطى»، بينما حاجج آخرون بأن المرأة الملونة الأولى في المنصب جذبت انتقادات غير متناسبة. وبغض النظر عن الأسباب، فإنها تلقت تغطية إعلامية قاسية، وسطحية في بعض الأحيان، كانت في كثيرٍ من الأحيان لا تعدو أن تكون مجرد اجترار لانتقادات «الجمهوريين».
غير أنه بغض النظر عن رأي المرء في أيامها الأولى في الإدارة، فإن أولئك الذين يمعنون النظر سيرون أنها تشتغل بثقة وفعالية، إذ قدمت لبايدن دعماً مهماً بين الكتل الناخبة المهمة. ولعل أبرز مثال على ذلك، دفاعها المستميت والبليغ عن حق النساء في الإجهاض بعد قرار المحكمة العليا الأميركية في 2022 الذي قالت فيه إن الدستور الأميركي لا يكفل حق الإجهاض. دفاع «وجد له صدى» بين الناخبين، وفقاً لمنظِّمة استطلاعات الرأي الديمقراطية المحترمة سيليندا ليك. كما ساعد خطابها المتعاطف الذي يربط الإجهاض بـ«الحرية» على إعادة تشكيل الرسالة المؤيدة للحق في الإجهاض.
هاريس استُقبلت بحرارة خلال زيارتها بعض الجامعات، حيث احتلت حقوق الإجهاض مكانة مركزية. وحتى وسط الفضائح والقضايا المثيرة للجدل التي تفجرت في الجامعات الأميركية على إثر الحرب بين إسرائيل وغزة، لم تَحد هاريس عن الرسالة الرسمية، إذ شددت على القضايا التي لها صدى بين الناخبين الشباب، مثل حوادث إطلاق النار الجماعي في المدارس، وتغير المناخ.
وبشكل خاص، برعت «هاريس» في دورها كمدافعة عن بايدن، وممثلة للادعاء العام في القضية المرفوعة ضد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي وُجهت له لوائح اتهام أربع مرات، إذ وجهت انتقادات مقتضبة ومقنعة لأداء المستشار الخاص روبرت هور وما اعتبرته فشلاً في اتخاذ قرارات سليمة. فـ«كمدعية عامة سابقة»، اعتبرت هاريس تعليقات هور حول عمر بايدن وذاكرته «غير مبررة وغير دقيقة وغير لائقة».
وفضلاً عن ذلك، أشارت إلى أنه خلال الأيام التي تلت هجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر، أمضى بايدن «ساعات طويلة» مع فريقه المكلف بالأمن القومي لتقييم الوضع. وقالت إن بايدن «طرح الأسئلة وطلب من المجتمع العسكري والاستخباراتي والمجتمع الدبلوماسي في أميركا تحديد ومعرفة: عدد الأشخاص الذين ماتوا؟ وعدد الأميركيين منهم؟ وعدد الرهائن؟ وهل الوضع مستقر؟». وأكدت أنه ظل «منخرطاً في العملية برمتها، إذ كان ينسق ويوجه المسؤولين عن الأمن القومي الأميركي - ناهيك عن حلفائنا عبر العالم - لأيام، وحتى الآن، لأشهر».
ثم خلصت إلى أن «الطريقة التي وُصف بها سلوك الرئيس في ذلك التقرير كانت خاطئة جملة وتفصيلاً في ما يتعلق بالحقائق، ومن الواضح أنها ذات دوافع سياسية - غير مبررة... والحال أنه ينبغي أن يكون هناك مستوى أعلى من النزاهة مما رأيناه». وقد كان كلامها واضحاً، وكانت نبرتها ساخطة كما ينبغي لها أن تكون، وكانت شهادتها حول أداء بايدن الفعلي أقوى تفنيد لمسألة العمر.
وخلال الأسبوع الماضي وفي ظرف دولي دقيق، حذّرت الحاضرين في «مؤتمر ميونيخ للأمن» من خطر الخضوع لوفاة زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني. ومع أنها لم تذكر ترامب بالاسم، إلا أنها لم تترك مجالاً للشك بشأن المقصود من تصريحاتها حين قالت للجمهور: «تخيلوا لو أدارت أميركا ظهرها لأوكرانيا وتخلت عن حلفائنا في حلف الناتو، وتخلت عن التزاماتنا بموجب المعاهدة. وتخيلوا لو تساهلنا مع بوتين، ناهيك عن تشجيعه». بالطبع، لسنا في حاجة للتخيل لأن ترامب كان دعا بوتين قبل أيام قليلة لمهاجمة التحالف.
وأوضحت أنه مع تعليق المساعدات الأميركية لأوكرانيا «يقدّم لنا التاريخ مؤشراً يساعد على تحديد الجواب. ذلك أننا إذا وقفنا وقفة المتفرج بينما يغزو معتدٍ جاره دون خوف من العقاب، فإنه سيواصل ذلك. وفي حالة بوتين، يعني ذلك أن أوروبا بأكملها ستصبح مهدَّدة». قبل أن تختتم بالقول: «لقد أظهر لنا التاريخ أيضاً أننا إذا نظرنا إلى الداخل فقط، فإننا لن نتمكن من التغلب على التهديدات القادمة من الخارج لأن الانعزال ليس تحصيناً».
ورغم أن أداءها الذي كاد يكون خالياً من الأخطاء والعيوب خلال فترة العام الماضي أو نحو ذلك، إلا أن على المرء ألا يتوقع من وسائل الإعلام أن تنشر أي قصص من قبيل «عودة كامالا»، ناهيك عن الانخراط في نوع من النقد الذاتي والاعتراف بخطأ تقييمها المفرط في السلبية من أن هاريس ستعوق بايدن. إذ يبدو أن وسائل الإعلام عاقدة العزم على خلق توازن مصطنع بدلاً من توفير تغطية جوهرية لسجل بايدن وهاريس والتحقيق في عيوب خصمها الصارخة. «أجل، ترامب متمرد مجنون ومجرم وفاشي، ولكن بايدن متقدم في السن ولديه هاريس!».
غير أن عملها ودورها كرأس حربة بالنسبة لحملة بايدن الانتخابية في عددٍ من القضايا الأساسية، مثل الإجهاض ومحاكمتها الشديدة للقضايا المرفوعة ضد ترامب سيُقاسان من خلال رد الفعل الدولي عليها، وداخلياً، من خلال الناخبين الذين يُعدون أساسيين لفوز تذكرة «بايدن- هاريس»، ويمكن القول إنها حتى الآن تبلي بلاءً حسناً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سيندكيشن»