«تريندز» وترسيخ قيم الأخوّة الإنسانية عالمياً
في خضم التوترات والصراعات الدولية والإقليمية التي تتسبّب في تعميق حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي يعيشها العالم منذ سنوات، يبدو العالم أحوج ما يكون إلى البحث عن طريق ثالث لنشر السلام وتهدئة النزاعات وحلها، وربما يأتي «اليوم الدولي للأخوة الإنسانية» ليذكّر الجميع بأن التسامح ونبذ العنف والكراهية والتحريض هي طوق الإنقاذ الوحيد الذي يمكن أن يحقق هذا الهدف، أو على الأقل يخفّف من حدة التوترات، ويدفع الجميع إلى المضيّ في البحث عن الأمن والاستقرار.
الرابع من فبراير يذكّر العالم بأن الجميع بحاجة إلى التوقف بحثاً عن ممرات آمنة للخروج من أجواء الصراع والعنف وسفك الدماء، حيث يحتفي المجتمع الدولي باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدءاً من عام 2021، استناداً إلى مبادرة قدمتها دولة الإمارات، ضمن رؤية شاملة وجهود واسعة تبذلها الدولة لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، ومكافحة العنف والإرهاب والتعصب الديني.
ومما لا شكّ فيه أن تعزيز المبادئ والقيم الإنسانية المشتركة، التي نصّت عليها الوثيقة، يمثل خريطة طريق يمكن أن تدفع العالم إلى استعادة روح التعاون، والإسهام في رأب الخلافات والانقسامات الدولية بشأن قضايا وخلافات شتى تحتاج إلى وقوف الجميع على أرضية مشتركة، وتوافر قناعات راسخة بأن الحوار والتعاون باتا المخرجين الوحيدين، ليس لتسوية النزاعات وحقن الدماء فقط؛ بل لمنح العالم القدرة على مجابهة التحديات الاستراتيجية الكبرى التي تواجه الجميع، وفي مقدمتها التغير المناخي، والإرهاب، والأزمات الاقتصادية.
وتقدم دولة الإمارات نموذجاً ملهماً للعالم في الإصرار والسعي الدؤوب من أجل نشر القيم المعززة للأخوة الإنسانية، انطلاقًا من وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية، التي وقّعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بأبوظبي، في 4 فبراير 2019، التي تعدّ أساساً قويًّا لكل جهد يستهدف السلام العالمي والعيش المشترك للإنسانية جمعاء. إن الجهد الأبرز للإمارات على صعيد نشر الأخوة الإنسانية عالميّاً يتمثل في نجاحها في حشد المجتمع الدولي من خلال عمل مؤسسي مستدام يستهدف نشر قيم التعايش والتسامح، وتعزيز الجهود العالمية الرامية للتعريف بالتعاليم الصحيحة للأديان بعيداً عن نزعات الغلو والتطرف، والتشدد والعنف والإرهاب.
ضمن هذا السياق، جاء مؤتمر «تريندز للبحوث والاستشارات»، بالشراكة مع وزارة التسامح والتعايش، والمنصة الجامعية لدراسة الإسلام (PLURIEL) بعنوان «الإسلام والأخوة الإنسانية»، الذي انطلقت فعالياته أمس، بكلمة قيّمة ومهمة من معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، وبرسالة سامية من قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وجهها إلى المؤتمر الذي يعد أحد أكبر المؤتمرات العلمية في العالم التي تناقش هذه الوثيقة التاريخية، حيث شارك في المؤتمر نحو 40 أكاديميّاً، وأكثر من 50 باحثاً جامعيّاً، جاؤوا من 17 دولة حول العالم من أجل مناقشة موضوع المؤتمر عبر 12 جلسة و5 محاضرات على مدى 3 أيام؛ ما يعكس أهمية الموضوع والتوقيت معاً، حيث يتزامن الحدث مع لقاء القادة العالميين المؤثرين والمسؤولين والمتخصصين والباحثين المعنيين مجدداً عبر منصة «تريندز» التي تضع نصب أعينها حشد الجهود الدولية والدفع باتجاه السلام والتعايش والاستقرار.
وقد حرصنا على تنظيم هذا المؤتمر في اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، ليكون فرصة ثمينة لمنح المبادرة التي رأت النور هنا في أبوظبي، قوة دفع جديدة بعد خمس سنوات من انطلاقها في أرض الإمارات، وحيث يحتاج العالم أجمع إلى تضافر جميع الجهود، والتضامن من أجل ترجمة مبادئ هذه المبادرة الحضارية إلى واقع يسهم في تخليص البشرية من أشكال الفرقة والنزاعات والصراعات كافة.
إن مؤتمر «الإسلام والأخوة الإنسانية» يمثل امتداداً لجهود بحثية دؤوبة نشارك فيها عبر «تريندز»، بإسهام مقدّر من لدن قامات دينية وروحية، وبمشاركة مجموعة متميزة من الأكاديميين والباحثين، كما يمثل هذا المؤتمر فرصة نوعية مهمة لإعطاء قوة دفع جديدة للتعاون العالمي من أجل الأخذ بمبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، التي تتجلى كذلك في أهداف اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، انطلاقاً من أنه لا سبيل لضمان الأمن والاستقرار العالميين إلا من خلال ترسيخ التعايش والتسامح والقفز على الخلافات والاختلافات وتبعات التنوع العرقي والديني والمذهبي، إذ باتت الحاجة مُلّحة لدى الجميع لفتح أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة في مستقبل آمن وخالٍ من مشاهد الدمار والدماء، والصراعات بشتى أشكالها وأسبابها؛ ولاسيما الدينية منها والمذهبية.
* الرئيس التنفيـذي -مركز تريندز للبحوث والاستشارات