في الأيام المقبلة، سنعرف ما إن كانت الأزمة في الشرق الأوسط ستتجه نحو تصعيد خطير، أم نحو وقف لإطلاق النار في غزة يسمح بتبادل الرهائن والأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية، غير أن المخاطر كبيرة، ولا سيما بالنسبة للرئيس جو بايدن وإيران ومعظم الزعماء المحوريين في المنطقة.
بايدن يتعرض لضغوط متزايدة من أجل استخدام القوة ضد وكلاء إيران المسؤولين عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في قاعدة عسكرية على الحدود السورية الأردنية في الثامن والعشرين من شهر يناير المنصرم. وعلاوة على القتلى الثلاثة، أصيب في هذا الهجوم أيضاً أكثر من 20 جندياً أميركياً بجروح.
ويطالب «الجمهوريون» المتشددون إدارة بايدن باستهداف أصول إيرانية، بما في ذلك بعض المنشآت الموجودة على الأراضي الإيرانية ذاتها، غير أن هناك مخاطر كبيرة لمثل هذا العمل الذي قد يفضي إلى صراع مباشر مع إيران، واحتمال تدخل عسكري أميركي آخر في المنطقة، وهي نتيجة لا يرغب معظم الأميركيين في حدوثها.
لكن المتشددين الجمهوريين يدركون أن إحدى نتائج توسيع الحرب هي زيادة التهديدات بالنسبة للبنية التحتية الطاقية والنقل الطاقي من الخليج إلى الأسواق العالمية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع سريع في أسعار النفط، تحديداً في اللحظة التي انخفض فيها تضخم الأسعار إلى المستويات التي كان عليها قبل الوباء. ومعلوم أن لعودة أسعار النفط المرتفعة تداعيات سياسية خطيرة بالنسبة لبايدن، مع انطلاق حملة إعادة انتخابه.
والمثير للسخرية هو أن الهجوم على القاعدة الأميركية يأتي في وقت تحقق فيه مقترحات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بعض التقدم، حيث يُؤمل أن يكون وقف القتال طويلاً بما يكفي لتنفيذ إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم «حماس» وإطلاق سراح آلاف الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية. كما أن مِن شأن هذه الهدنة أن تمكّن مئات آلاف الفلسطينيين المشردين والمرضى والجرحى في غزة من تلقي الإمدادات الغذائية والطبية الحيوية التي يحتاجونها بشدة.
ثم إنه إذا لوحظ أن الظروف التي يواجهها الفلسطينيون أخذت تتحسن مع توقف الهجمات الجوية الإسرائيلية، فإن المشاعر التي تثيرها مقاطع الفيديو الكثيرة حول القتال قد تهدأ وتسكن. وفي ظل هذه الظروف، ستتعرض القوات الوكيلة لإيران في لبنان واليمن والعراق وسوريا للضغط من أجل وقف الهجمات على إسرائيل وأميركا والشحن الدولي في البحر الأحمر. وهو ما من شأنه أن يشكّل مصدر ارتياح بالنسبة للصين، وغيرها من البلدان التي تعتمد بشكل كبير على طرق التجارة البحرية. كما أن من شأن وقف طويل الأمد لإطلاق النار أن يسمح بإجراء محادثات أكثر جدية بشأن مستقبل قطاع غزة، بما في ذلك سبل التعامل مع النقص الكبير جداً في المساكن، وكيفية حكم القطاع من دون مشاركة مباشرة لحركة «حماس». هذه الأسئلة ستثير على الدوام نقاشاتٍ كبيرةً داخل إسرائيل، ويمكن أن تفضي إلى تنظيم انتخابات عامة جديدة قد تعني نهاية حياة نتنياهو السياسية.
ونظراً لأن لسيناريو وقف إطلاق النار الكثير من المزايا، مقارنة بالتصعيد واندلاع حرب إقليمية، فبوسعنا أن نتوقع استمرار إدارة بايدن في استخدام أقصى قدر ممكن من الضغط الدبلوماسي من أجل إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول نتيجته، حتى وإن لم تكن مثالية، إلا أنها أفضل على كل حال من استمرار حرب الاستنزاف الحالية. ومن العوامل التي تصبّ في مصلحة جهود البحث عن تسوية وتوافق الدور الذي يلعبه لوبي العائلات القوي في إسرائيل، والذي يطالب الحكومة الائتلافية الإسرائيلية بأن يكون إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في ظروف خطيرة منذ السابع من أكتوبر 2023 أولويةً بالنسبة لها.
غير أن مكمن الخطر هنا هو أنه يكفي أن يُغرق صاروخٌ سفينةً أميركية، أو يقتل العديدَ من الجنود الأميركيين لرؤية رد عسكري كبير، وتعريض كل الآمال في تحقيق تقدم في غزة للخطر، فضلاً عن آفاق قاتمة للمنطقة وللعالم.
*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز «ناشيونال إنترست» - واشنطن