فاز كل من جو بايدن ودونالد ترامب في محطة نيوهامبشر من الانتخابات التمهيدية يوم الثاني والعشرين من يناير الجاري، مما يشير إلى أنهما في طريقهما ليصبحا مرشحي حزبيهما للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل. بايدن لم يكن موجوداً على ورقة التصويت، لكن فريق حملته نظّم حملة «تسجيل» وتغلب بسهولة على منافسه الحقيقي الوحيد، دين فيليب، بفارق كبير.
والحقيقة أن فوز ترامب على نيكي هيلي كان متوقعاً، لكنها تمكنت من إحراز ما نسبته 43 في المئة من الأصوات، الأمر الذي يشير إلى أن معارضة ترامب داخل الحزب الجمهوري وبين الناخبين المستقلين ما تزال قوية. غير أن هذه المعارضة لن توقف الزخم الذي حشده ترامب من أجل الفوز بالترشيح. ولعل الشيء الوحيد الذي قد يوقفه هو عامل صحي، وهو ما لا يمكن استبعاده بالنظر إلى تصريحاته العامة غير المتزنة، والمربكة في كثير من الأحيان.
في هذه المرحلة، ينصبّ تركيز المعلقين والمحللين على ما إذا كان أداء ترامب القوي في ولايتي آيوا ونيوهامبشر يمكن أن يُتَرجم إلى انتصار في نوفمبر المقبل. والحال أن النتائج حتى الآن تشير إلى بعض الإشارات التحذيرية لترامب. ذلك أن ترامب ما يزال يتمتع بدعم كبير بين الناخبين «الجمهوريين» الذين يعيشون في المناطق الريفية، وهم مسيحيون إنجيليون بيض غير حاصلين على تعليم جامعي. هؤلاء الناخبون يشكّلون قاعدة «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» التي توالي ترامب موالاة استثنائية على الرغم من التحديات القانونية العديدة التي يواجهها، ولغته الخشنة ضد خصومه «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» على حد سواء. فبين هؤلاء الناخبين، يتمتع ترامب بشعبية كبيرة جداً، إذ يعتبرونه الرجل القوي الذي سيتصدى للنخبة السكانية التي تتركز بشكل رئيسي على الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة. وهو يعبّر عن غضبهم من الحالة التي باتت عليها البلاد، وخاصة نظام الهجرة المختل، وموجة الجريمة المصحوبة بزيادة التشرد، والقضاة الليبراليين الذين يرفضون معاقبة المجرمين الذين ينهبون الأحياء ويرهبونها، والسياسيين الليبراليين الذين يريدون أن يفرضوا على المواطنين ضوابط أكثر صرامة حول الأسلحة والذين يُعَدون مسؤولين عن التضخم الناجم عن الإنفاق المسرف في واشنطن. وقد تعلّم ترامب كيف يستغل مشاعر الاستياء هذه ويجعلها أحدَ الموضوعات الرئيسية لحملته.
غير أن الجانب السلبي لهذه الاستراتيجية هو أنها لا توسّع حجم دعمه، لأن جاذبيته لقاعدة «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» هي تحديداً ما يثير قلق الجمهوريين المعتدلين، وفي الانتخابات العامة، قلق الناخبين المستقلين المنتقدين الذين يحتاج ترامب لكسب تأييدهم إن كان يرغب في استعادة البيت الأبيض. ولدحض هذه الحجة، يحاجج أنصار ترامب بأن معدلات شعبيته أفضل بين الشباب والسود والأميركيين المنحدرين من أصول أميركية لاتينية مقارنةً بما كان عليه الأمر في الماضي. فهذه المجموعات تعاني أكثر من غيرها من الجريمة في المناطق الحضرية ومن الهجرة غير الشرعية والتضخم، وهو ما يمكن رده إلى سياسات بايدن والديمقراطيين الليبراليين. وعلاوة على ذلك، تستطيع حملة ترامب أن تشير أيضاً إلى المعارضة المتزايدة داخل البلاد للالتزامات الخارجية المفتوحة التي تكلّف دافعي الضرائب الأميركيين مليارات الدولارات كل عام على غرار الحربين المتواصلتين في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وعلى الرغم من هزيمتها في نيو هامبشر، فإن نيكي هيلي وعدت بالبقاء في السباق. ومن المقرر إجراء المحطة التالية من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية كارولينا الجنوبية في 24 فبراير المقبل. والجدير بالذكر هنا أن هيلي هي الحاكمة السابقة لهذه الولاية، وإذا كان ترامب هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بها، فإن أداءً قوياً من قبل هيلي من شأنه أن يؤكد أن دعم ترامب ليس بدون حدود. ولهذا، من المتوقع أن يسعى فريق ترامب جاهداً، من الآن وحتى 24 فبراير المقبل، من أجل حشد دعم كل الجمهوريين في الكونجرس والقادة الجمهوريين في الولايات الرئيسية.
وعليه، فما لم يقع حدث دراماتيكي يعرقل طريقهما، فمن المرجح أن يكون بايدن وترامب المرشحين المحتملين اللذين سيتواجهان في نوفمبر المقبل. هذه ليست النتيجة التي يريدها عدد كبير من الأميركيين، غير أنه ما زال من غير الواضح كيف يمكن أن تؤثّر خيبة الأمل هذه تجاه المرشحين على نسبة المشاركة، والتي تُعد الاختبار الأكبر لأي انتخابات.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن