وظَّفت دولة الإمارات عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، التي تختتم اليوم، والتي امتدت للفترة 2022- 2023، لدعم ركائز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، من أجل وضع حد للاضطرابات والصراعات، ومن ثَم إفساح المجال لعملية التنمية الشاملة في الدول التي تعاني ويلات هذه الاضطرابات.
ومما لا شك فيه أن اختيار الإمارات لعضوية مجلس الأمن، خلال العامين الماضيين، عكس ثقة العالم في سياسة دولة الإمارات، وكفاءة منظومتها الدبلوماسية التي يقودها بكل جدارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، ما جعلها مؤهلة بجميع المقاييس للإسهام بدينامية في حل الأزمات الدولية. وقد جاء اختيار الإمارات لعضوية مجلس الأمن إدراكاً لتنامي دورها في إيجاد حلول للعديد من التحديات التي تعرقل جهود السلام والأمن والاستقرار في ربوع العالم، وهنا تمكن الإشارة إلى عاملين رئيسين يجسدان هذا التنامي:
- نجاحات الدبلوماسية الإماراتية في تسوية النزاعات الدولية، والتي لم تكن لتتحقق لولا مصداقية وحياد موقف الإمارات، الذي يرتكز على نهج عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتطبيق مبادئ الدبلوماسية المستقلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، نجاح الدولة في عام 2018 في نزع فتيل واحد من أطول النزاعات في قارة أفريقيا، بين الجارتين (إثيوبيا وإريتريا)، وقد شكل اتفاق السلام الذي رعته الإمارات بين الدولتين تحولاً كبيراً في الأوضاع الجيوسياسية في القرن الأفريقي، وهي المنطقة التي تعتبر من أكثر مناطق العالم التي تموج بالكثير من الاضطرابات والتحديات.
- الإيمان الراسخ لدولة الإمارات بضرورة تغليب لغة الحوار في التعامل مع الأزمات، ومساعيها الدائمة لتكريس قيم التعايش السلمي والأخوّة الإنسانية. وهنا تجدر الإشارة إلى «وثيقة الأخوّة الإنسانية» الموقّعة في الرابع من فبراير عام 2019، وهي بيان مشترك وقّعه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي، وتعد بمثابة دستور للتعايش السلمي بين الدول والشعوب كافة.
ويعكس تحليل نشاط دولة الإمارات في مجلس الأمن خلال العامين الماضيين، الأهمية القصوى التي أولتها لقضية حفظ الأمن والاستقرار، سواء أكان ذلك على الصعيد الإقليمي أم الدولي، وهي قضية غاية في الأهمية، حيث إن غياب الاستقرار يعني حلول الفوضى، ولذلك فقد كثفت الدولة جهودها بالتعاون مع الدول الأخرى الأعضاء في المجلس في سبيل التأسيس لسلام مستدام في مناطق الصراعات.
وثمة مؤشرات أساسية تجسد ثراء المساعي الإماراتية التي ما فتئت تتوالى في سبيل حفظ الأمن والاستقرار الدوليين، من خلال دعم ركائز السلام والاستقرار، ولعل أبرزها خلال الشهور الأخيرة:
- المشاركة مع المملكة المتحدة في صياغة القرار الذي اعتمده المجلس في يونيو الماضي بالإجماع، وأقر للمرة الأولى بأن خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف قد يؤدي إلى اندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها، كما دعا إلى الإدانة العلنية للعنف وخطاب الكراهية والتطرف.
- اعتماد مجلس الأمن بالإجماع في مارس الماضي، خلال اجتماع بشأن أفغانستان، قرارين تقدمت بهما الإمارات، بالتعاون مع اليابان، يقضي القرار الأول بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان لمدة 12 شهراً، أما القرار الثاني فيتعلق بإجراء تقييم مستقل حول النهج الدولي المتبع تجاه أفغانستان.
- اعتماد مجلس الأمن قراراً إماراتياً حمل رقم 2720 في 22 ديسمبر الجاري، يدعو إلى اتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة في قطاع غزة، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض.
ومما لا شك فيه أن دولة الإمارات، ومن خلال عضويتها في مجلس الأمن قد مهدت الطريق لحشد الجهود الدولية لدعم الاستقرار وترسيخ قيم الأخوة الإنسانية والتعايش المشترك، وسوف تواصل الدولة قطعاً جهودها الدؤوبة لتعزيز أسس التعاون والسلام والحوار، وترسيخ ركائز التضامن الدولي في مواجهة التحديات العالمية المشتركة، وبناء الشراكات التنموية مع مختلف الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية، من أجل عالم أفضل لكل الأمم والشعوب، ومستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية