هل تتجه أميركا نحو الإغلاق؟
استعدوا، نحن نتجه نحو إغلاق الحكومة، وربما يكون لفترة طويلة، وربما يبدأ في الأول من أكتوبر المقبل. لا يوجد شيء مؤكد على الإطلاق، ولا يحتاج الكونجرس إلا إلى القليل للغاية لتجنب الإغلاق، مجرد مشروع قانون مختصر لتمديد التمويل بعد انتهاء مشاريع القوانين الخاصة بالإنفاق السنوي في نهاية سبتمبر الجاري.
لكن «الجمهوريين» في مجلس النواب يعانون من خلل وظيفي كبير إلى الحد الذي لا يسمح لهم بإنتاج أي شيء من هذا القبيل. وفي الوقت الحالي، لا يمكنهم حتى تمرير نسختهم الخاصة من مشاريع قوانين الإنفاق، ناهيك عن أي شيء ستمرره الأغلبية «الديمقراطية» في مجلس الشيوخ ويوقّعه الرئيس جو بايدن. إن فترات الإغلاق الحكومي الممتدة، والتي تتجاوز عطلة نهاية أسبوع طويلة، لا تحدث عن طريق الصدفة أو لأنه لم يتم إجراء مفاوضات تتسم بحسن النية بحلول الموعد النهائي.
تحدث فتراتُ الإغلاق الحكومي الممتدة فقط عندما ترغب المجموعة التي تتمتع بالأصوات أو النفوذ في فرض ذلك الإغلاق. وفي الوقت الحالي، يهدد المحافظون الأكثر تشدداً بين «الجمهوريين» في مجلس النواب بالإغلاق إذا لم يحققوا مرادهم. من المؤكد أن مشروع قانون تمديد الإنفاق «المتناسق» الذي من شأنه أن يُبقي الحكومةَ مستمرةً في العمل بينما تستمر المفاوضات، سيحظى بموافقة مجلس النواب، وبسهولة في مجلس الشيوخ أيضاً. وفي هذا الصدد، فمن المؤكد تقريباً أن مشاريع قوانين الإنفاق السنوية التي يوافق عليها الحزبان، والتي يمررها مجلس الشيوخ، ستتم الموافقة عليها في مجلس النواب. لكن في حين أن المتشددين أعضاء كتلة الحرية في مجلس النواب وغيرهم، لا يملكون الأصوات، فإنهم يتمتعون بالنفوذ. إنهم يهددون بإقالة كيفن مكارثي من منصبه كرئيس لمجلس النواب إذا جلب مشاريع القوانين هذه إلى قاعة مجلس النواب.
ويعتقد مكارثي أنهم جادون وهو على استعداد لبذل جهود كبيرة لاسترضائهم، مهما كان الثمن الذي سيتحمله حزبه والأمة. ومن هنا يأتي إعلان مكارثي عن التحقيق في عزل الرئيس جو بايدن. إنه لن يؤدي إلى أي شيء، لكنه يمكن أن يَحشد «الديمقراطيين» بسهولة حول بايدن، بينما يجعل الأمورَ صعبةً على «الجمهوريين» في مجلس النواب في المقاطعات التنافسية. إن استرضاء المتشددين يعني تأييد التخفيضات الكبيرة في الإنفاق على البرامج الحكومية الشعبية، رغم أن مشاريع قوانين الإنفاق النهائية ستكون بالتأكيد نسخة مجلس الشيوخ التي حظيت بتأييد من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وهذا يعني الإغلاق.. لكن حتى متى؟ من الصعب التنبؤ بذلك. لم يكن هناك سوى ثلاث عمليات إغلاق حكومية في التاريخ الممتد للولايات المتحدة.
الأول، في عام 1995، وقد استمر 21 يوماً. والثاني، في عام 2013، واستمر 16 يوماً. والثالث، كان في ديسمبر 2018، واستمر حتى يناير 2019، أي لمدة 35 يوماً. وعلى عكس التهديد بتخلف الحكومة عن السداد الناجم عن أزمات حدود الديون، فإن الضرر الناجم عن عمليات الإغلاق، سواء على المستوى الاقتصادي العام أو على مستوى الحياة الشخصية للمواطنين الأميركيين، يبدأ صغيراً ويتراكم ببطء مع مرور الوقت. إذ تبدأ الأعمال في التراكم نظراً لأن العديد من الأمور تحتاج إلى إجراء حكومي للمضي قدماً، بدءاً من بيانات التأثير البيئي إلى براءات الاختراع وحتى القضايا القضائية غير الأساسية، لكنها ما تزال مهمة. وبمرور الوقت، يضغط الناخبون على ممثليهم لإنجاز الأمور. وعادةً ما توضح استطلاعات الرأي أي حزب يعاني أكثر، وعادةً ما يكون الحزب الذي بادر بالضغط من أجل الإغلاق.
يحاول مكارثي التوصلَ إلى تمديد مؤقت ينطوي على ما يكفي من الأشياء الجيدة التي سيدعمها تجمع الحرية وحلفاؤه، كما يحاول في الوقت نفسه إقناع الجمهوريين المعتدلين بالتصويت لصالحه. ونظراً للهامش الضئيل للحزب الجمهوري في مجلس النواب، فسيحتاج إلى دعم بالإجماع تقريباً من الجمهوريين لمشروع قانون لن يصوت عليه أي «ديمقراطي». لكن حتى لو تمكن من إنجاز ذلك خلال الأسبوعين المتبقيين، فسيموت مشروع القرار عند وصوله إلى مجلس الشيوخ. وهذا يعني أنه لاستمرار الحكومة سيتعين على مكارثي قبول شروط مجلس الشيوخ، وتجاوز جناحه اليميني المتشدد، والمخاطرة بوظيفته.
والمشكلة هنا هي أن الفصيل المتشدد من الجمهوريين في مجلس النواب لا يبحث عن صفقة أفضل. فهم سيعارضون أي صفقة يوافق عليها بايدن (وربما حتى أي صفقة يدعمها زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل). وفي الوقت نفسه، إذا كانت القاعدة الأولى لعمليات الإغلاق هي أنها تحدث فقط عندما يريد أحد الطرفين ذلك، فإن القاعدة الثانية هي أن مواجهات الإغلاق تنتهي دائماً بحل يدعمه رئيس مجلس النواب، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، والرئيس. وعندما يدعم مكارثي مشروعَ قانون يوافق عليه مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية ويوقّعه بايدن، فإن مكارثي (أو خليفته في هذا الصدد) سيتعرض للهجوم باعتباره «خائناً» لمبادئه وأنه استسلم وهو على وشك الانتصار! والخبر السار هو أنه من السهل رؤية الخطوط العريضة الأساسية للصفقة.
وقد وافق بايدن والحزبان في كلا المجلسين بالفعل على مستويات الإنفاق الأساسية في يونيو عندما أقروا زيادة حد الدين. ولذا فإن مجلس الشيوخ يمضي قدماً في مشاريع القوانين المقدمة من الحزبين لتفعيل تلك الصفقة، وينبغي أن يتجاوز بسهولة الـ60 صوتاً اللازمة لمنع المماطلة وتمرير تشريعاتهما. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»
جوناثان بيرنشتاين*
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس