سوق العمل والهبوط الناعم
إذا ألقينا نظرةً سريعة على تقرير الوظائف لشهر أغسطس الماضي، والذي أصدرته وزارة العمل الأميركية قبل أيام من الآن، ربما يتبين أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الخاطئ. ففي نهاية المطاف، ارتفع معدل البطالة إلى 3.8% مقابل 3.5% في يوليو، وهو ما يمثل أكبر زيادة منذ بداية جائحة كوفيد في أبريل 2020. ومع ذلك فإن نظرة أكثر دقة تكشف شيئاً مختلفاً تماماً.
لم تكن هذه الزيادة في معدل البطالة انعكاساً لقيام الشركات بتسريح العمال تحسباً للتباطؤ، بل كانت بسبب زيادة كبيرة للغاية بلغت 700 ألف في عدد الأشخاص الذين يبحثون عن وظيفة. وأدى ذلك إلى ارتفاع معدل المشاركة في القوى العاملة إلى 62.8%، وهو أعلى مستوى منذ ما قبل الوباء.
وكملحوظة، فإن الحكومة لا تعتبر الشخصَ عاطلاً عن العمل إلا إذا كان عاطلاً عن العمل ويبحث عن وظيفة. إذا لم يكن لدى شخص ما وظيفة ولا يحاول العثور على وظيفة، فسيتم اعتباره خارج القوى العاملة. وبطبيعة الحال، لم يتمكن كل الأشخاص الذين دخلوا سوق العمل في أغسطس من العثور على وظيفة على الفور، لذا فإنهم يعتبرون الآن عاطلين عن العمل.
ما يعنيه كل هذا هو أن المزيد من الأشخاص واثقون من قدرتهم على العثور على وظيفة تلبي احتياجاتهم ومهاراتهم ومؤهلاتهم. نحن نعلم أنه على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، آثر العديد من العمال البقاء على الهامش لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك رعاية المُعالين المتضررين من الوباء أو بسبب مشاكلهم الصحية. وإذا كانوا يعتقدون أن أصحاب العمل على استعداد لتلبية احتياجاتهم، على سبيل المثال من خلال ترتيبات العمل المرنة، فإنهم أكثر ميلاً للدخول في قوة العمل والبحث عن وظيفة، وهو ما يفعلونه الآن بأعداد كبيرة. يعد هذا التطور بمثابة مساعدة كبيرة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في جهوده لترويض التضخم.
وهذا لأن زيادة عدد العمال الذين يبحثون عن وظائف يقلل من حاجة أرباب العمل إلى الدفع لجذب المساعدة. وفي حين أن محاربة أرباب العمل بعضهم البعض لدفع المزيد من المال قد يبدو أمراً جيداً، فإن هذا يمكن أن يجعل الاقتصادَ العامَّ أسوأ من خلال ممارسة ضغوط تصاعدية على التضخم، حيث تقوم الشركات بتمرير تكاليف العمالة المرتفعة عن طريق رفع أسعار سلعها وخدماتها.
في الواقع، فقد أظهر تقرير الوظائف أن متوسط الأجر في الساعة ارتفع بنسبة 0.2% مقارنة بشهر يوليو، وهي أقل زيادة منذ فبراير 2022. وأشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول منذ فترة طويلة إلى قوة نمو الأجور كأحد الأسباب التي تجعل البنك المركزي يواجه صعوبةً في خفض معدل التضخم.
وقال باول أيضاً في خطاب رئيسي ألقاه للتو في ندوة جاكسون هول السنوية التي عقدها بنك الاحتياطي الفيدرالي في أواخر الصيف إنه مستعد وراغب في دفع أسعار الفائدة القياسية إلى أعلى وإبقائها عند هذا المستوى إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر لخفض التضخم. وكان المعنى الضمني غير الدقيق هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي كان على استعداد لإخضاع سوق العمل لتقليل الضغوط المفروضة على أصحاب العمل لرفع الأسعار. إن الطفرة التي شهدها شهر أغسطس في المشاركة في القوى العاملة تجعل تهديد باول أقل احتمالاً، حيث سيكون من الأسهل بالنسبة لأصحاب العمل العثور على العمال دون الحاجة إلى زيادات كبيرة في الأجور.
إن ما لدينا هو سوق عمل ليس محدوداً إلى الحد الذي يجعل من الصعب على بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض التضخم، ولا سوقاً متراخياً إلى الحد الذي يمهد الطريق للانكماش الاقتصادي.يعد تقرير سوق العمل الأخير مثالاً آخر على كيفية استمرار الاقتصاد في تقديم مفاجآت سارة. ومع حلول عام 2023، كان الإجماع بين الاقتصاديين هو أن الركود كان مؤكداً. ومع ذلك، يتسابق الاقتصاديون الآن لرفع توقعاتهم بشأن مدى سرعة توسع الاقتصاد هذا العام.
وقد كتب خبراءُ الاقتصاد في بنك جيه بي مورجان تشيس، في مذكرة بحثية يوم الخميس، أنهم يتوقعون الآن أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي يصل إلى 3.5% هذا الربع، بزيادة 3 نقاط مئوية عما توقعوه في بداية أغسطس. لقد بدأ الأمر يبدو وكأن الاقتصاد قد ينجح في تحقيق ذلك النوع من الهبوط الناعم الذي حتى أفضل الأفكار وألمعها ترى وكأنه قد يتطلب معجزةً.
كارل دبليو سميث*
*كاتب عمود في «بلومبيرج»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»