ديون بطاقات الائتمان وقوة المستهلك
وصلت الموارد المالية للأسر الأميركية إلى مرحلة مهمة، بتراكم ديون بطاقات الائتمان إلى تريليون دولار، بمتوسط سعر فائدة بلغ 20.6 بالمئة. وحين يقترن ذلك بتقلص المدخرات الشخصية وارتفاع أسعار المستهلكين، يشعر كثيرون من الاقتصاديين بالقلق من أن المستهلكين المثقلين بالديون لن يكون لديهم القوة الشرائية لمواصلة دعم الاقتصاد خلال بقية العام. وأجد أن هذه الاستنتاجات مسرفة في تشاؤمها.
فارتفاع ديون بطاقات الائتمان، بشكل عام، ليس بالأمر السيئ بالنسبة للاقتصاد ولا علامة على وجود مشكلة بين المستهلكين. وهي رد فعل تلقائي فيما يبدو على أحدث البيانات التي تفترض أن الأسر تعاني من الضغط، وتلجأ إلى بطاقات الائتمان الخاصة بها للحصول على الأموال لأنها متعطشة للمال أو تعاني من وطأة التضخم. لكن الحقيقة هي أن ديون بطاقات الائتمان تتبع دورة الأعمال، فترتفع مع توسع الاقتصاد وتتقلص مع انكماشه، تماماً مثل الاستثمار في الاقتصاد. وهناك وجهة نظر بديلة تتلخص في أن الأسر تستخدم بطاقات الائتمان في المقام الأول لتمويل عمليات شراء أكبر للسلع المعمرة والخدمات.
وفي ظل هذا الرأي، تعتبر عمليات الشراء ببطاقات الائتمان تقريباً شكلاً من أشكال الاستثمار، وعادة ما يقوم المستهلكون بمثل هذه المشتريات فقط حين يشعرون بالثقة بشأن وضعهم المالي الشخصي. ودعونا لا ننسى أن معدل البطالة بلغ أربعة بالمئة أو أقل منذ بداية عام 2022، مع توسع الأجور بمعدل أسرع من وتيرة ما قبل الجائحة.
وفي الواقع، هذا هو بالضبط ما نراه في البيانات. فقد بلغ النمو السنوي في إجمالي أرصدة بطاقات الائتمان ذروته في الربع الأول من عام 2008، في الوقت نفسه الذي كان الاقتصاد يدخل في حالة ركود، وتحول إلى سلبي في عام 2009، ولم يتحول إلى إيجابي مرة أخرى حتى أصبح الانتعاش جارياً على قدم وساق في عام 2014. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية خلال الأرباع الثلاثة الماضية، ارتفع تراكم ديون بطاقات الائتمان، بما يتوافق مع الاقتصاد الذي يبدو أنه يكتسب قوة.
واطردت توقعات الاقتصاديين بشأن حجم نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، فصعدوا بها من متوسط بلغ 0.3 بالمئة في بداية العام إلى 2 بالمئة حالياً، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبيرج. والسؤال حقاً يتعلق بمدى اقتراب المستهلكين من الشعور بأنهم يتعرضون للاستغلال، أخذاً في الاعتبار الارتفاع في الآونة الأخيرة في الديون وارتفاع أسعار الفائدة المصاحب لذلك. والجواب هو أنهم على الأرجح بعيدون عن تلك النقطة.
وبفضل ارتفاع الأجور إلى حد كبير، أنفقت الأسر الأميركية 9.6 بالمئة فقط من دخلها المتاح على مدفوعات الديون، وهو أقل بكثير من الذروة البالغة 13.2 بالمئة عام 2007، وفقاً للاحتياطي الاتحادي. أما بالنسبة للادخار، فالصورة هناك أكثر دقة. وعند مستوى 4.6 بالمئة، يعد معدل الادخار الشخصي منخفضاً، قياساً على المعايير التاريخية، لكن هذا يرجع إلى حد كبير إلى المخزون النقدي غير المسبوق الذي تراكم لدى الأسر الأميركية خلال كوفيد-19.
وتم نشر أبحاث كثيرة تحاول تحديد مقدار تريليونات الدولارات من التحفيز المالي خلال الجائحة التي ما زالت في جيوب المستهلكين. وتبدأ أغلب هذه الجهود بالافتراضات القديمة عن مستوى الادخار الذي ينبغي للأسر أن تمتلكه. والمشكلة الأساسية في نقطة البداية هذه هي أن الاتجاه الطويل الأمد في الادخار يواصل انخفاضه من عام 2009 حتى عام 2019، ثم ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 14.7 بالمئة في عام 2020 مع إغلاق الاقتصاد ولم يكن لدى المستهلكين سوى طرق قليلة لإنفاق أموالهم. وكل هذا يجعل من الصعب تقدير الاتجاه الأساسي. بل تشير ورقة بحثية صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن كل التحولات وهمية، وأن معدل الادخار ما زال في اتجاه هبوطي.
ربما يكون الإجراء الأكثر واقعية هو النظر في الحسابات الجارية. فقبل الجائحة، بلغ إجمالي الأموال في الحسابات الجارية للأسر والمنظمات غير الربحية أقل بقليل من تريليون دولار. وارتفع هذا الرقم إلى مستوى قياسي بلغ 4.77 تريليون دولار في الربع الثالث من عام 2022 قبل أن يتراجع قليلاً إلى 4.51 تريليون دولار في نهاية مارس، وفقاً لبيانات الاحتياطي الاتحادي.
فلماذا تحذر معظم الأبحاث حول هذا الموضوع من أن المدخرات الفائضة المتراكمة خلال الجائحة قد اختفت كلها تقريباً؟ ذلك لأن البحث يعتمد في الغالب على افتراض مفاده أن الأسر كان ينبغي أن تراكم استثمارات غير سائلة على مدى السنوات الثلاث الماضية أكبر بكثير مما فعلت بالفعل. ومن ثم، ولأنهم لم يفعلوا ذلك، فقد خلص البحث إلى أن كل المدخرات الفائضة قد تم إنفاقها إلى حد كبير. وقد يكون هذا صحيحاً، لكن غياب تراكم الأصول لا يقيد المستهلكين في أي مكان بالقرب من نقص الأموال النقدية التي ما زال لديهم وفرة منها.
ومع النظر في كل هذه العوامل معاً، يصبح من الواضح أن ديون بطاقات الائتمان البالغة تريليون دولار ليست علامة على نفاد السيولة لدى المستهلكين أو أنهم يواجهون صعوبة في تغطية نفقاتهم، بل علامة على أن أسراً كثيرة تستفيد من أسعار الرهن العقاري المنخفضة التي تم الحصول عليها قبل أن يبدأ الاحتياطي الاتحادي في تشديد السياسة النقدية، والاحتياطيات النقدية الكبيرة وسوق العمل القوي. وربما تكون عبارة «يجب ألا تراهن أبداً ضد المستهلك الأميركي» مستهلكة، لكنها صحيحة.
*النائب السابق لرئيس السياسة الاتحادية في مؤسسة الضرائب والأستاذ المساعد للاقتصاد في جامعة نورث كارولاينا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»