«بريكس» والقمة الخامسة عشر
يبحث بعض دول العالم عن أدوات لكسر شوكة أميركا ونفوذها على العالم، ويسعى لإنشاء تعددية قطبية بدل الأحادية التي طال أمدها في السيطرة على إرادات دول تريد أن تتحرر وتخلع جلدها كما يفعل طائر«العُقاب» بنفسه عندما يحاول تجديد شبابه.
ترى ما رأي أميركا في تجمع «بريكس» الذي يتكون حتى الآن من روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وقد قبلت قمة «جوهانسبرج» الخامس عشر انضمام ست دول أخرى إليها وهي: الأرجنتين، السعودية، مصر، الإمارات، إثيوبيا وإيران.
مستشار الأمن القومي الأميركي يرد على هذا الحدث الجديد لـ «بريكس» في قوله: إن الولايات المتحدة لا تنظر لتجمع بريكس على أنه خصم سياسي، بل هي مجموعة متنوعة من الدول بوجهات نظر متباينة في قضايا أساسية. أميركا استخدمت أسلوب العقلنة عندما عبرت عن هذا التجمع الوليد على أنه مجرد «خصم سياسي» وليس عدواً محتملاً، ولا منافساً مقبلاً.
الكلمات في سياسات الدول لها دلالاتها ولا تُلقى اعتباطاً، وهناك خبراء لوضع تلك الكلمات في مكانها الصحيح وفي الوقت المناسب. أوباما أول رئيس أميركي يعتذر علنا عن كلمة «العدو» التي أطلقها على منافسيه من الحزب «الجمهوري»، وعاد يسميهم ب «الخصوم السياسيين».
نقدم هذا الكلام لبعض المتحمسين لسرعة انهيار أميركا المنافس الشرس لبعض الدول الكبرى والخصم العنيد لآخرين والعدو لكل من يفكر في اقتلاع جذورها في إدارة العلاقات الدولية. نأتي إلى «بريكس»، بمقارنتها لكل المؤسسات الدولية والإقليمية فهي لا زالت في أول السلم، تحتاج إلى قواعد راسخة لاستمرارها على المدى الطويل. ولا ينبغي لأي دولة وإن كانت بحجم الصين أو روسيا أن تضع كل مصالحها في سلة «بريكس» حتى وإن كانت هي المؤسِسات.
أول سجال دب في عروق المجتمعين، هو مسألة توسيع العضوية، فهناك أكثر من أربعين دولة تود الانضمام إلى مجموعة «بريكس» ولكن مشوارها طويل، وبحاجة إلى مدى للصبر تشد به ظهرها. هناك عوامل جوهرية تحد من التوسع بلا ضوابط، العامل الأهم حجم الناتج القومي الإجمالي لأي دولة، لأن على أساسه، يكون حجم النفوذ وقوة التحكم في قرارات المجموعة ككل.
على سبيل المثال لا الحصر، فإن الصين وحدها حجم ناتجها القومي، يساوي ضعفي حجم الناتج القومي الإجمالي لجميع الدول الأعضاء الخمس، وفي هذا مؤشر اقتصادي - سياسي، بأن تصبح الصين هي الأقوى داخل المجموعة، وهذا القلق ليس من خارج المجموعة بل من داخلها.
العامل الواقعي لدول التأسيس، يحتم نوعية العلاقة بين الأعضاء أنفسهم، روسيا اليوم ليست روسيا يوم انطلاق المجموعة، فهي تخوض صراعا لم تسمه حربا حتى اللحظة في أوكرانيا، لا بد وأن يؤثر في أي مشاركة خارج حدودها الجغرافية، للتحركات «الجيوسياسية» استحقاقاتها وأثمانها الباهظة على الوضع الداخلي للدول. الصين والهند، أوضاعهما الحدودية ليست على ما يرام، والعامل الاقتصادي الأكبر في نسب النمو في داخل الدول الأعضاء عامل مهم للغاية لتقييم نفسها أو تقييم أي عضو جديد وإلا كان الحل المؤقت في العضوية الشرفية أو المراقب عن بعد، حتى يُبت في العضوية الدائمة؟!
*كاتب إماراتي