«أوبنهايمر».. والنقاش المتجدد حول الأسلحة النووية
فيلمان جديدان هما «باربي» لمخرجته غريتا غيرويج، و«أوبنهايمر» للمخرج كريستوفر نولان، طُرحَا للتوزيع العالمي في يوليو الماضي. وقد وفّر نجاحهما إيرادات مهمة لاستوديوهات هوليوود المتعثرة. وأحد أسباب شعبيتها هو أن عناصر القصة والتصوير السينمائي والتمثيل تروق لطيفٍ واسع من المشاهدين صغاراً وكباراً. كما أثار الفيلمان الكثيرَ من التعليقات المنتقِدة والمشيدة. ويركز هذا المقال على فيلم «أوبنهايمر» المقتبس من كتاب كاي بيرد وروبرت شيروين الحائز على جوائز، والذي نشر في عام 2005.
يغطي الفيلمُ ثلاثَ مراحل من حياة جاي روبرت أوبنهايمر. أولاً، سنواته الأولى في كاليفورنيا وأوروبا عندما صنع لنفسه اسماً بوصفه عالِمَ فيزياء لامعاً وانخرط في السياسة اليسارية، حيث أبدى تعاطفاً مع أهداف الحزب الشيوعي الأميركي، ودعم دور الاتحاد السوفييتي في مساعدة الجمهوريين الإسبان الذين قاتلوا ضد الجنرال فرانكو والفاشيين خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. غير أنه خلافاً لزوجته كيتي، لم يكن أوبنهايمر عضواً في الحزب. ثانياً، فترة توليه مسؤولية مختبر لوس ألاموس الضخم الذي أنشأه في صحاري ولاية نيو مكسيكو الأميركية، حيث شكّل فريقاً استثنائياً من العلماء والمهندسين الذين صمموا القنبلة النووية الأولى وصنعوها واختبروها في 16 يوليو 1945. وأُطلق على ذاك الاختبار لقب «ترينيتي» («الثالوث»). ثالثاً، حياته المهنية بعد مرحلة الحرب التي انتهت بشكل مفاجئ سنة 1954 حينما تم إلغاء تصريحه الأمني بدعوى أنه أصبح يشكّل مصدرَ خطر أمنياً. ذلك أن أعداءه لم يغفروا له أبداً معارضتَه تطويرَ القنبلة الهيدروجينية، التي تُعد سلاحاً أقوى 1000 مرة من القنبلتين الذريتين اللتين استُخدمتا ضد اليابان. واستخدموا علاقاته الشيوعية السابقة في قضيتهم ضده.
والواقع أن جمهور اليوم أقل اهتماماً بسياسة الحرب الباردة في الخمسينيات منه بالأسئلة حول قرار الولايات المتحدة استخدام السلاح الجديد ضد المدن اليابانية وعدم تحذير سكان نيو مكسيكو وغيرها من الولايات المجاورة من مخاطر الإصابة بالإشعاعات طويلة المدى للغبار النووي الناجم عن أول تجربة نووية.
وفي ما يتعلق باستخدام القنبلة دون سابق إنذار ضد مدينتي هيروشيما وناغازاكي، تقدِّم دراسةٌ جديدة أجراها إيفان توماس، بعنوان «الطريق إلى الاستسلام»، حججاً مقنعةً بأن القرار كان صائباً بالنظر إلى البدائل الأسوأ التي كانت متاحةً حينها. ففي ربيع وصيف سنة 1945، خاضت القوات الأميركية معاركَ مريرةً مع اليابانيين في البحر وفي جزيرتي إيو جيما وأوكيناوا. وكان من الممكن أن يكلِّف غزو نهائي للبر الرئيسي مئات الآلاف من الأرواح الأميركية وربما الملايين من نظيرتها اليابانية. وعلى الرغم من التأثير الرهيب للقصف الأميركي للمدن اليابانية بالأسلحة التقليدية خلال تلك الفترة، فإن عضواً واحداً فقط في «المجلس الأعلى للحرب» في اليابان، هو وزير الخارجية شيغانوري توغو، كان راغباً في السعي وراء السلام. وأُلقيت القنبلتان الذريتان في 6 و9 أغسطس. وفي 15 أغسطس، أقنع توغو الإمبراطورَ هيروهيتو أخيراً باتخاذ «القرار المقدس» بالموافقة على الاستسلام.
غير أنه في زمن اختبار «ترينيتي»، لم يكن هناك فهم كامل لتأثيرات الإشعاع النووي على المديين القصير والطويل. ومع مر العقود، أصبح من الواضح أن المواطنين الأميركيين الذين كانوا يعيشون في المنطقة عام 1945 أصيبوا لاحقاً بأنواع مختلفة من الأمراض وخاصة السرطان. هؤلاء السكان ناضلوا على مدى أكثر من 70 عاماً من أجل الاعتراف الكامل بمحنتهم من قبل حكومة الولايات المتحدة. ولئن قُدمت لبعضهم بعض التعويضات على مر السنين، فإن واشنطن لم تقدِّم بعد اعترافاً رسمياً بما حدث.
وعلى كل حال، فإن الشيء الواضح في الوقت الراهن هو أن النقاشات التي أثارها فيلم أوبنهايمر حول تأثيرات الأسلحة النووية، عزّزت المخاوف من إمكانية استخدامها في الحروب الحالية وحصول دول أخرى عليها في النهاية، تحديداً لأنها خطيرة للغاية.
*مدير «البرامج الاستراتيجية» بمركز ناشيونال إنترست -واشنطن