ازدراءُ الأديان.. خطرٌ عالمي
توالت ردود الفعل المنددة عربياً ودولياً بحادثة حرقِ متطرفٍ سويدي نسخةً مِن المصحف الشريف في العاصمة ستوكهولم، أول أيام عيد الأضحى المبارك، حيث قام المتطرف «سلوان موميكا» (37 عاماً) ذو الأصول العراقية بتمزيق نسخة من المصحف، وأضرم النار فيها أمام مسجد ستوكهولم المركزي، بعد أن منحته الشرطةُ السويدية تصريحاً بتنظيم الاحتجاج إثر قرار قضائي.
وللذكر، فإن هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها في السويد، حيث يعيش أكثر من 600 ألف مسلم، ففي الحادي والعشرين من شهر يناير الماضي، أحرق زعيم حزب «الخط المتشدد» الدانماركي اليميني المتطرف «راسموس بالودان» نسخة من المصحف الشريف قرب السفارة التركية في كوبنهاجن، وسط حماية من الشرطة، مما أثار احتجاجات عربية وإسلامية، بموازاة دعوات إلى مقاطعة المنتجات الدنماركية.
لا يمكن لمن يملك عقلاً سليماً، أكان مسلماً أم غير ذلك، إلا أن يندد بهذه الجريمة العبثية النكراء، التي تمَّت بدعوى حرية التعبير، بينما هي في حقيقتها تسيء - في جملة إساءاتها - إلى المفهوم الحقيقي والصحيح للحريات العامة وحقوق الإنسان وفق مبادئها التي تنادي باحترام المقدّسات. كما يمكن لكل متتبع أن يفهم أن مثل هذه الممارسات المحفزة للكراهية، والمثيرة للمشاعر الدينية، لا يمكن إلا أن تخدم أجندات التطرُّف.
ومنذ حوالي عقد من الزمن، وفي إطار التأصيل لبناء أسرة إنسانية واحدة وبيت مجتمعي مشترك، نادينا مع آخرين في إطار منتديات فاس التي نظمتْها حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي، بضرورة إيجاد ميكانيزمات قانونية، إقليمية ودولية، تجرِّم ازدراء الأديان. وكانت بعض الدول تنظر إلى مثل هذه التوصية على أنها تشكل خطراً على الحريات العامة وحقوق الإنسان التي تدعو إليها، وهذا مخالف للحوار العالمي الذي يطالب به كثيرون حول العالم! لكن ما هو هذا الحوار؟
الحوار الحقيقي هو الذي تتأصل شجرته في النفوس، وتأنس الأرواح في ظلاله الوارفة، وعندها تبدأ المجتمعات جني ثمراته، وإذ ذاك تكون قادرةً على بلورة قيم ومبادئ وأخلاقيات ووسائل وضوابط ميثاق بشري راسخ، يكون منطلقاً صلباً وسبيلاً آمناً لمسيرة بشرية راشدة. لا نريد حواراً يكرس مركزية دِين ما على حساب دين آخر، أو الانتصار لثقافة بعينها على ثقافة أخرى، بل نريد حواراً مؤسَّساً على ثوابت الاحترام المتبادل.. حواراً ترتكز منهجيته على عدم التعرض للخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية وعدم انتهاك رموزها ومقدساتها من أجل التعاون والعمل الصادق.
إن التكفيريين الذين تعج بهم بعض المجتمعات يزرعون قواعد الكراهية وازدراء الأديان في عقول البشر.. لذا فصون البشرية من شرور وأخطار هؤلاء، وكذلك الذين يزدرون الأديان، هو تأصيل للحوار العالمي الهادف، وهذا هو المطلب العالمي الحقيقي، وهو لا يخص فئة لوحدها وإنما العالَم بأسره. وينبغي للدول المتشبّعة بالمواطنة الحقيقية وبقواعد العيش المشترك، تبنِّي قوانين ردعية تصون مصالح الجميع.
*أكاديمي مغربي