هل سيترتب البيت الفلسطيني؟
عقب اقتحام مخيم جنين أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بياناً يدعو إسرائيل إلى الوقف الفوري لحملاتها المتكررة والمتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني. حيث كانت إسرائيل قد أطلقت عملية عسكرية واسعة في مدينة جنين ومخيمها بداعي ملاحقة مسلحين، لكن تلك الحملة لم تسفر إلا عن مقتل 12 فلسطينياً بينهم 5 أطفال، كما أصيب خلالها نحو 140 شخصاً، العشرات منهم حالاتهم الصحية حرجة.
بعد حملة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة تلك، التي طالت كل من مدينة جنين ومخيم جنين قدمت الإمارات طلباً لمجلس الأمن الدولي للاجتماع لبحث آثار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وكيفية وضع حد للانتهاكات الإنسانية وسياسة التمييز العنصرية التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل إسرائيل.
ولا شك أن الاجتماع الذي تحقق يأتي ضمن حزمة من الجهود الإماراتية المتواصلة على كافة الصعد السياسية والإنسانية والدبلوماسية لدعم القضية الفلسطينية. والبيان الإماراتي الذي تم تقديمه في مجلس الأمن أكد بوضوح أن وقت الإعراب عن القلق والإدانة قد مضى، وأنه يتوجب على مجلس الأمن والمجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهم كاملة تجاه الشعب الفلسطيني، وتجاوز الوضع القائم الذي أثبت فشله بالفعل.
فالوقت قد حان لاتخاذ إجراءات حازمة ومكثفة لتهدئة الأوضاع على الأرض وإحياء عملية السلام. وقد سبق هذا الاجتماع إدانة الإمارات لاقتحام واعتداءات المستوطنين الإسرائيليين المتكررة على عدد من القرى الفلسطينية، مع تأكيداتها التحذيرية من أن الوضع في الأراضي المحتلة يقترب من نقطة اللاعودة، وهو ما يهدد بانهيار كامل لمظاهر الاستقرار والأمن، وبالتالي انفجار الأوضاع والتي لن تحمد عقباها. فاحتقان الشارع الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة عليه سوف يصل إلى نقطة خطيرة إنْ لم تتم معالجة الأمور بالصيغة التي يتطلبها الموقف وبناء على القرارات الدولية التي على الجميع احترامها.
إزاء الوضع الذي عاشته مدينة جنين ومخيمها جراء الاعتداءات الإسرائيلية عليهما، والتي كان لها تداعيات مدمرة على آلاف الأشخاص، فقد تحركت الإمارات وقدمت 15 مليون دولار لدعم عمليات وكالة «الأونروا» وخدماتها لإعادة تأهيل الخسائر، كما قدمت 7.3 مليون درهم لمدينة الخليل. والدعم الإماراتي للسلطة الفلسطينية ومشاريعها الخاصة بالبنية التحتية لم يتوقف، فوصل إلى 2.104 مليار دولار منذ عام 1993. هذا عدا عن مئات ملايين الدولارات التي قدمتها للجنة الوطنية والإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي ولغيرها من المؤسسات الفلسطينية لتجاوز إجمالي المساعدات الإماراتية لفلسطين.
وهذا الدعم مستمر سواء من خلال المساعدات المالية المباشرة، أو من خلال توفير المواد الغذائية والطبية، إلى جانب إعادة إعمار المناطق المتضررة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمرافق العامة لتعزيز البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة في الأراضي الفلسطينية.
المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن تعد من أخطر المراحل وأكثرها حساسية، سواء على مستوى الأحداث الميدانية واستمرار المناوشات مع الجانب الإسرائيلي، أو على مستوى استمرار انسداد الأفق السياسي. وأمام هذا الوضع يقف الفلسطينيون على مفترق طرق، فإما أن يتحدوا في مواجهة تحديات المرحلة الحالية والقادمة، وإما أن يبقى الحال على ما هو عليه من الفرقة والانقسام وهو ما ينذر بتواصل نزيف الدم الفلسطيني، ليبقى الجانب الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر.
وعليه، فإن الواجب الوطني يحتم على جميع الفصائل الفلسطينية تغيير مساراتها بشكل جذري لصالح إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، ومن ثم الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجهها القضية، مع تغليب المصلحة الوطنية العليا على أية مصالح أخرى، وتلك المسألة الجوهرية واحدة من أبسط حقوق الشعب الفلسطيني على فصائله وقيادته.