مشروع تقليل الحلفاء
على طول الزمان وعرض المكان، وعبر مسيرة البشرية الطويلة، كان بناء التحالفات أسلوباً متبعاً على الدوام لتقوية الدول، وتعزيز دورها وتأثيرها، من الدول الصغيرة التي تتجاوز طموحاتها حجمها إلى الإمبراطوريات التي تعقد التحالفات على أطرافها مع قوى أخرى.
التحالفات كبيرةً كانت أم صغيرةً، لها زمنٌ ومصالحٌ مشتركة تحميها، وهي تتعزز وتتقوى وتنقص وتضعف بحسب ذلك، وأشهر التحالفات الحديثة هي «دول الحلفاء» في مقابل «دول المحور» إبان الحرب العالمية الثانية على المستوى الدولي، وبعد نهايتها وبروز «الحرب العالمية الباردة» تَشكل تحالفان كبيران استمرا لعقودٍ من الزمن هما «حلف الأطلسي» الغربي و«حلف وارسو» الشرقي، وقد انتهى «حلف وارسو»، وشهد «حلف الأطلسي» قوةً وضعفاً عبر العقود الماضية، ولكنه لا يزال حاضراً بقوة في المشهد الدولي، وهو الذي يدعم بقوة مواجهة روسيا في أوكرانيا.
لا أحد ينظّر فعلياً لتقليل الحلفاء، فضلاً عن أن يكون مشروعاً متكاملاً له رؤية ومنهج وخطط عملية، ولكنه تعبيرٌ عن بعض الطروحات التي لا يكون مؤداها إلى هذا بحيث تكون كل نتائجها هي ضرب الحلفاء والتقليل منهم قدر المستطاع لغاياتٍ متوهمةٍ أو ضيقٍ في الرؤية أو انحسارٍ في الوعي، وهو غالباً طرحٌ ينتمي للتفاهة الممنهجة عبر أدواتها المعاصرة المتمثلة في «وسائل التواصل الاجتماعي».
الحديث هنا عن «التحالفات» أو «التكتلات» أو «المحاور» السياسية والاقتصادية وليس مقتصراً على التحالفات العسكرية، وفي منطقتنا من ذلك الكثير حديثاً ومعاصراً، فمثلاً منذ الخمسينيات كان في منطقتنا «ملكيات» و«جمهوريات» الأولى منحازةٌ للغرب والثانية للشرق إبان الصراع الدولي و«الحرب العالمية الثانية» وفي حرب تحرير الكويت 1990 قام «تحالف دوليٌ» شاركت فيه دول الخليج العربي بقوةٍ لتحرير الكويت وطرد قوات صدام حسين منها.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أميركا قامت حربٌ دوليةٌ ضد الإرهاب الذي استهدف العالم بأسره وعانت منه الدول العربية والمسلمة أشد المعاناة وكانت المواجهة مع «تنظيم القاعدة» تتوزع على خرائط العالم، ومن بعد خرج تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وقام «التحالف الدولي ضد داعش» وأعلنت السعودية عن تحالفين كبيرين هما «التحالف العربي» لمواجهة المشروع الطائفي العدواني في اليمن و«التحالف الإسلامي» من خمسين دولةً مسلمةً لمواجهة الإرهاب، وهذه تحالفات ما زالت قائمةً وفاعلةً. من قبل، كان في المنطقة محاور ثلاثة تصطرع، المحور الطائفي والمحور الأصولي، والمحور الثالث هو محور الاعتدال الذي كان يمثل الدول العربية وشعوبها ومصالحها.
مع مطلع عام 2011 مرّ العالم العربي بمرحلةٍ مشؤومة سمّيت زوراً وبهتاناً بـ «الربيع العربي» وتحالفت فيها أميركا «الأوبامية» مع كل الجماعات الأصولية لتسليمها السلطة في عدد من الدول العربية ما شكل دعماً غير مسبوقٍ للمحورين المعاديين للدول العربية، ولكن دول الاعتدال العربي استطاعت مواجهة ذلك «الربيع الأسود» وداعميه، وعاد الاستقرار للعديد من الدول العربية التي شهدت اضطرابات واحتجاجاتٍ وفوضى.
أخيراً، فمشروع تقليل الحلفاء الذي يروّج له البعض يقوم على شعاراتٍ «سوشيلية» لا تنتمي لعالم الفكر والسياسة وإنما تنتمي لبيئتها التي وجدت فيها حيث لا يمكن فهم «الوطنية» إلا بتحويلها إلى «شوفينية»، حيث لا يصبح للعلم والعقل والوعي أي دورٍ ينافس دور الشعارات الرنانة والمزايدات الفجة، ويدخل تحت هذه التوجهات فئاتٌ متضررةٌ من التحالفات والمحاور الناجحة في المنطقة ويلتقي الخصمان على قدرٍ.
*كاتب سعودي