«ميتا» وأورربا.. معضلة جمع البيانات
هناك طريقتان للنظر إلى تدشين «ميتا» منافساً لتويتر يسمى «ثريدز» في الأيام القليلة الماضية. فهذا توقيت جيد للاستفادة من القلق المتزايد من الطريقة التي يدير بها إيلون ماسك تويتر. لكن توقيته سيئ أيضاً لأنه يتزامن مع التدشين الوشيك لقانون جديد للاتحاد الأوروبي يستهدف جوهر الطريقة التي تجني بها «ميتا» الأموال. وهذا يقوض خططها لتحويل «ثريدز» إلى منفذ آخر لجمع البيانات.
دشن الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج تطبيق «ثريدز» في عشرات البلدان، وحصل على أكثر من 10 ملايين مستخدم في الساعات السبع الأولى - ليس من بينها الاتحاد الأوروبي. وحتى يوم الخميس (السادس من يوليو)، لم يكن التطبيق الجديد الذي يوفر دفقاً هائلاً من المعلومات الشخصية للمعلنين حول صحة الأشخاص وعادات التسوق والموقع وغيرها من البيانات «الحساسة» غير المحددة، قد دخل فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا أو بلجيكا.
وفي المستقبل، قد يضطر زوكربيرج إلى منح سكان تلك البلدان خياراً حول مدى استعدادهم لقبول معالجة بياناتهم لأغراض الإعلان. وإذا رفضوا ذلك، فقد تتضرر ميتا مالياً. ولم يدخل «ثريدز» أوروبا لأن «ميتا» تعرف أن الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي لن يروقها الطريقة التي يعالج بها التطبيق المعلومات الشخصية. لكن السبب ليس اللائحة العامة لحماية البيانات، وهو قانون الخصوصية المطبق بشكل ضعيف في الاتحاد الأوروبي والذي سمح لشركة ميتا بتقديم البيانات الخاصة للجميع مجاناً حتى الآن، بل بسبب قانون آخر قادم لمكافحة الاحتكار يسمى قانون الأسواق الرقمية.
وأرجأت «ميتا» طرح ثريدز لأنها تحتاج إلى مزيد من التوجيه من الاتحاد الأوروبي والمسؤولين حول كيفية اتباع هذا القانون الذي قد يكون له تأثير أوسع بكثير على الشركة من مجرد التأخر في التدشين. وقد يتساءل المرء عن علاقة قانون مكافحة الاحتكار الأوروبي بالخصوصية. والجواب، حالياً، أن العلاقة قوية جداً. ويواجه نموذج أعمال «ميتا» تهديداً أكبر من قواعد المنافسة الجديدة أكثر من أي وقت مضى من سياسات حماية البيانات.
ويرجع ذلك جزئياً إلى تحول في العقلية وسط الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي حول التعامل مع انتهاكات الخصوصية كشكل من أشكال الإضرار بالمستهلك وهو نهج لا تتبعه الولايات المتحدة. ومن نتائج هذا أن «قانون الأسواق المالية» الأوروبي ينص على أن أكبر الشركات عبر الإنترنت، التي يراد بها أن تكون حراس بوابات، يجب ألا «تجمع البيانات الشخصية» من منصاتها التي بها بيانات شخصية من أي نظام أساسي آخر أو خدمة تابعة لجهة خارجية، ما لم يقدم المستهلكون موافقتهم. وهذه القاعدة المفردة قد تصبح ضربة كبيرة لميتا. فالشركة تستقي 98 بالمئة من إيراداتها من الإعلانات، وتعتمد هذه الأعمال على تجميع البيانات الشخصية من مجموعة من المصادر خارج «فيسبوك». وتستخدم هذه المصادر- من التطبيقات والمتصفحات إلى شبكات الإعلانات- أدوات ومكونات أعمال «ميتا» المجانية لتشارك بعد ذلك في إعلانات استهدافية على منصات مثل إنستجرام، وفي نهاية المطاف على «ثريدز».
وتعني قاعدة قانون الأسواق الرقمية أن «ميتا» ستقضي الأشهر الستة المقبلة أو نحو ذلك في التفاوض مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول كيفية الامتثال. وسيتعين منح المستهلكين خياراً بشأن جمع بياناتهم لاستخدامها في الإعلانات. والطريقة التي توفر بها «ميتا» هذا الاختيار ستحدث فارقاً كبيراً في النتيجة النهائية.
وليضع المرء في اعتباره أن فيسبوك خسرت نحو 14.5 مليار دولار في المبيعات العام الماضي بسبب قرار آبل بأن تسأل في نافذة منبثقة مستخدمي آيفون عن مدى موافقتهم على السماح للمعلنين بتتبعهم. ولأسباب واضحة، لن ترغب «ميتا» في تصميم نفس النوع من النوافذ المنبثقة لتطبيقاتها، لكنها قد تضطر إلى القيام بشيء مماثل. وتدفع الجهات المنظمة لمكافحة الاحتكار في ألمانيا شركة «ميتا» لإعادة تصميم تطبيقاتها بحيث تُجبر على منح المستخدمين خياراً لجمع بياناتهم لاستخدامها في الإعلانات الاستهدافية. والشهر الماضي، أعلنت الجهة المنظمة التي استمرت قضيتها ضد الشركة لسنوات وشكلت الأساس لقاعدة قانون الأسواق الرقمية أن ميتا تتخذ خطوات في الاتجاه الصحيح. لقد وضعت الخيار في تطبيقاتها، لكن الطريقة التي «أبلغت بها» المستخدمين ما زالت غير كافية.
كما صممت «ميتا» أيضاً «مركز حسابات» جديد حيث يمكن لمستخدمي إنستجرام وفيسبوك الموافقة على البيانات التي يتم جمعها واستخدامها، حسبما قالت الجهة التنظيمية. والخاصية الجديدة لم يجر تعميمها لأنها ما زالت بحاجة إلى موافقة الجهات التنظيمية. ويرى الألمان أن «ميتا» ما زالت تحاول حث المستخدمين على دمج حساباتهم، مشيرة إلى بياناتهم على أنها «معلومات» وليس «بيانات شخصية» على سبيل المثال. والسؤال الكبير يتعلق بتفصيلة صغيرة، فهل سيكون الاختيار نافذة منبثقة على هواتف الناس؟ وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون ذلك نتيجة لتحديث خصوصية آبل.
وستقاوم «ميتا» ذلك بشدة، لكن الآن أمامها قانون الألمان والاتحاد الأوروبي الذي يلوح في الأفق، ولم يتبق لها فرص كثيرة للاستئناف. ويوم الأربعاء (الخامس من يوليو)، أيدت محكمة العدل الأوروبية قضية الجهاز التنظيمي الألماني. وقال متحدث باسم ميتا إن الشركة تدرس إجراءاتها التالية، لكن إذا تقدمت بالاستئناف، فقد تخسر الشركة القضية. وتقول آن ويت، الباحثة في مكافحة الاحتكار في باريس «ينقل الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية إشارة إليها مفادها أن عصر جمع البيانات بلا قيود قد ولى». وممارسة الأعمال التجارية في الاتحاد الأوروبي أصبح بالفعل أصعب على «ميتا». وإفساد الدخول الصاخب لثريدز هو علامة لما سيأتي.
*صحفية أميركية متخصصة في شؤون التكنولوجيا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»