ديون واشنطن وتأثيرها العالمي
كثير منا سمع عن فشل الولايات المتحدة في رفع سقف الدَّين حتى الآن، واحتمال أن تتخلف عن سداد ديونها، لكن ما الذي يجعل أكبر اقتصاد في العالم يستدين ويعجز عن تسديد ديونه؟
تستدين الولايات المتحدة في أحيان كثيرة كي تدعم إنفاقها في شتى المجالات، حتى وصل الأمر أن يتراكم الدين ليصل إلى حد 31.4 تريليون دولار، وهو الحد القانوني لسقف الدين، أي الحد الأعلى الذي يحق للولايات المتحدة اقتراضه لتسديد التزامات، منها ما يتعلق بالدفاع والضمان الاجتماعي والصحي وفوائد الديون أيضاً.
مشكلة سقف الدين تحولت إلى ورقة تفاوض بين الحزبين الرئيسيين، «الجمهوري» و«الديمقراطي»، حيث يتفاوض الرئيس جو بايدن (ينتمي للحزب الديمقراطي) مع رئيس مجلس النواب كيڤن مكارثي (جمهوري) الذي يصر على خفض الإنفاق الحكومي لمعالجة العجز، فيما يصر بايدن على رفع حد سقف الدين دون أي شروط مسبقة، وسط مخاوف من أن يتكرر سيناريو عام 2011 بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وربما حدوث أزمة اقتصاديه أشد تُدخل البلادَ في ركود وتزعزع الاقتصاد العالمي بأكمله، وهذا ما تخشاه العديد من الدول، حيث إن الولايات المتحدة تؤثر بشكل كبير في حركة الاقتصاد العالمي.
دول العالم الكبرى، وحتى دول الشرق الأوسط، تنتظر ما سينتج من قرارات في واشنطن، فما سيحدث قد يؤثر بمكانتها في الاقتصاد العالمي سلباً أو إيجاباً، لكن رغم كل المخاوف فإن هناك الكثير من الحلول لتجاوز هذه الغيمة السوداء، ذلك أن ما يحدث حالياً يبقى في إطار صراع حزبي مع اقتراب الانتخابات، ولا بد لكل حزب من أن يكسب أوراقاً تفاوضية تعطيه مصداقيةً أمام جمهوره، وهناك بعض الحيل التي قد يلجأ لها الديمقراطيون لتجاوز الأزمة وتطويعها لصالحهم، لكن كل ذلك لا ينفي المخاطرَ المتوقعة.
ما الذي يهمنا من كل هذه الأزمة التي تحدث في الولايات المتحدة؟ إن العالم أصبح شبيهاً بمدينة واحدة مترابطة، فلا يمكن حدوث أزمة في بلد من دون التأثير على البلدان الأخرى، وهذا ما شهدناه بعد الأزمة الأوكرانية التي تردد صداها في أبعد الدول وأصغرها، وكذلك بعد أزمة كورونا وتداعياتها وآثارها على الاقتصاد العالمي، فما بالك بأزمة مصدرها الولايات المتحدة، قطب الاقتصاد العالمي.
وهذه المشكلة تحديداً لن تتعلق بواشنطن فقط، ولن تأتي من مشكلة سقف الدين أو فشل في تسديده، بل ستأتي على شكل ركود اقتصادي قد يخفض حجم التضخم الهائل ويعيد تصحيح حركة الاقتصادي، وقد يكون كارثياً ويُدخل العالمَ في أزمة صعبة مشابهة لأزمة عام 2008 عقب أزمة الرهن العقاري التي صدرتها الولايات المتحدة للعالم آنذاك، أو أزمة مشابهة للكساد الكبير الذي ضرب الولايات المتحدة عام 1929 بعد أن انهارت أسواق المال وانتقلت الأزمة للعالم كله.
نحن في دول الخليج، وتحديداً الإمارات، أصبحت لدينا خبرات كبيرة في التعامل مع الأزمات خاصة الاقتصادية منها، ودائماً ما نثبت قدرتنا على تجاوز الكوارث المالية العالمية، كما فعلنا مع أزمة 2008 وغيرها، حيث نجحنا باقتدار في تطويع الأزمات والانطلاق نحو آفاق اقتصادية جديدة، وفي بعض الأحيان تكون تلك الأزمات الاقتصادية فرصة لانتعاش جديد في الأسواق، ولانطلاقة أخرى نحو نجاحات اقتصادية جديدة وآفاق أرحب، وهذا ما نحققه دائماً بفضل موقعنا الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط وبين أسواق الشرق والغرب، وبفضل خطط اقتصادية محكمة، وسياسات مرنة تضعنا في الصدارة على الدوام.
*كاتب إماراتي